[الحج : ٥] ، وقال مجاهد : مستقر على ظهر الأرض في الدنيا ومستودع عند الله في الآخرة ، ويدلّ عليه قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) [البقرة : ٣٦] ، وقال الحسن : المستقر في القبر والمستودع في الدنيا ، وكان يقول : يا ابن آدم أنت وديعة في أهلك ويوشك أن تلحق بصاحبك ، وقيل : المستودع القبر والمستقر الجنّة والنار ؛ لقوله عزوجل في صفة الجنة (١) : (حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) [الفرقان : ٦٦] ، وفي صفة النار : (ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) [الفرقان : ٦٦] ، (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ).
(وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٩٩))
(وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ) ، أي : بالماء ، (نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ) ، من الماء ، وقيل : من النبات ، (خَضِراً) ، يعني : أخضر ، مثل العور والأعور ، يعني : ما كان رطبا أخضر مما ينبت من القمح والشعير ونحوهما ، (نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً) ، أي : متراكما (٢) بعضه على بعض ، مثل سنابل البرّ والشعير والأرز وسائر الحبوب ، (وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها) ، والطلع أول ما يخرج من ثمر النخل ، (قِنْوانٌ) جمع قنو وهو العذق ، مثل صنو وصنوان ولا نظير لهما في الكلام ، (دانِيَةٌ) ، أي : قريبة المتناول ينالها القائم والقاعد ، وقال مجاهد : متدلية ، وقال الضحاك : قصار ملتزمة بالأرض ، وفيه اختصار معناه : ومن النخل ما قنوانها دانية ومنها ما هي بعيدة ، فاكتفي بذكر القريبة عن البعيدة لسبقها (٣) إلى الأفهام ؛ كقوله تعالى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ٨١] ، يعني : الحرّ والبرد فاكتفى بذكر أحدهما ، (وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ) ، أي : وأخرجنا منه جنات ، وقرأ الأعمش عن عاصم (وَجَنَّاتٍ) بالرفع نسقا على قوله : (قِنْوانٌ) ، وعامّة القراء على خلافه ، (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ) ، يعني : وشجر الزيتون وشجر الرمان ، (مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) ، قال قتادة : معناه مشتبها ورقها مختلفا ثمرها ، لأن ورق الزيتون يشبه ورق الرمان ، وقيل : مشتبه في المنظر مختلف في الطعم ، (انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ) ، قرأ حمزة والكسائي بضم الثاء والميم ، هذا وما بعده وفي يس على جمع الثمار ، وقرأ الآخرون بفتحهما على جمع الثمرة مثل بقرة وبقر ، (إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ) ، ونضجه وإدراكه ، (إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
(وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (١٠٠) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٠١) ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٠٢) لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣))
قوله عزوجل : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) ، يعني : الكافرين جعلوا لله الجن شركاء ، (وَخَلَقَهُمْ) ، يعني : وهو خلق الجن ، قال الكلبي : نزلت في الزنادقة أثبتوا الشركة لإبليس في الخلق ، فقالوا : الله خالق النور والناس والدواب والأنعام ، وإبليس خالق الظلمة والسباع والحيات والعقارب ، وهذا كقوله : (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) [الصافات : ١٥٨] ، وإبليس من الجن ، [وخرقوا قرأ أهل المدينة](٤) «وخرّقوا» بتشديد الراء على التكثير ، وقرأ الآخرون بالتخفيف ، أي : اختلفوا ، (لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ) ، وذلك
__________________
(١) زيد في المطبوع «أهل».
(٢) في المطبوع «متراكبا».
(٣) في المطبوع وط ، وأ «لسبقه».
(٤) سقط من المطبوع.