عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (١٣٠))
(وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٢٩)) ، قيل : أي كما خذلنا عصاة الجنّ والإنس حتى استمتع بعضهم ببعض نولي بعض الظالمين بعضا ، أي : نسلّط بعض الظالمين على بعض ، فنأخذ من الظالم بالظالم.
[٨٩٣] كما جاء : «من أعان ظالما سلّطه الله عليه». وقال قتادة : نجعل بعضهم أولياء بعض ، فالمؤمن وليّ المؤمن أين كان ، والكافر وليّ الكافر حيث كان. وروى معمر عن قتادة : يتبع بعضهم بعضا في النار ، من الموالاة. وقيل : معناه نولي ظلمة الإنس ظلمة الجن ، ونولي ظلمة الجن ظلمة الإنس ، أي : نكل بعضهم إلى بعض ؛ كقوله تعالى : (نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى) [النساء : ١١٥].
وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها هو : أنّ الله تعالى إذا أراد بقوم خيرا ولّى أمرهم خيارهم ، وإذا أراد بقوم شرا ولّى أمرهم شرارهم.
قوله عزوجل : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) ، واختلفوا في الجن هل أرسل إليهم منهم رسول ، فسئل الضحاك عنه ، فقال : بلى ألم تسمع الله يقول (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) ، يعني : بذلك رسلا من الإنس ورسلا من الجن. قال الكلبي : كانت الرسل قبل أن يبعث محمد صلىاللهعليهوسلم يبعثون إلى الإنس والجنّ جميعا (١) ، قال مجاهد : الرسل من الإنس والنذر من الجن ، ثم قرأ : (وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) [الأحقاف : ٢٩] ، وهم قوم يسمعون كلام الرسل فيبلغون الجن ما سمعوا ، وليس للجن رسل ، فعلى هذا قوله : (رسل منكم) ينصرف إلى أحد الصنفين وهم الإنس ، كما قال : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢)) [الرحمن : ٢٢] ، وإنّما يخرج من الملح دون العذب ، وقال : (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً) [نوح : ١٦] ، وإنّما هو في سماء واحدة ، (يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ) ، أي : يقرون عليكم ، (آياتِي) ، كتبي (وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) ، وهو يوم القيامة ، (قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا) ، أنهم قد بلّغوا ، قال مقاتل : وذلك حين شهدت عليهم جوارحهم بالشرك والكفر. قال الله عزوجل : (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) ، حتى لم يؤمنوا ، (وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ).
__________________
[٨٩٣] ـ باطل. أخرجه ابن عساكر كما ذكر ابن كثير في «تفسيره» (٢ / ٢٢٥) من حديث ابن مسعود ، واستغربه ابن كثير ، وفيه العدوي يضع الحديث.
وذكره السخاوي في «المقاصد» ١٠٦٣ فقال : أخرجه ابن عساكر في «تاريخه» من جهة الحسن بن علي بن زكريا عن سعيد بن عبد الجبار الكرابيسي به. قال : وابن زكريا هو العدوي ، متهم بالوضع ، فهو آفته وذكره الديلمي بلا سند عن ابن مسعود ، وبالجملة فمعناه صحيح ا ه.
وليس كما قال السخاوي رحمهالله معناه صحيح ، فكم من معين لظالم لم يسلط عليه ، بل استمرّا حتى أخذهما الله أخذ عزيز مقتدر ، والصحيح أنه ربما سلط عليه.
__________________
(١) زيد في المطبوع وحده هاهنا «ومحمد الرسول صلىاللهعليهوسلم يبعث إلى الجن والإنس كافة».
وعبارة «الكشاف» (٢ / ٦٦) : وعن الكلبي «كانت الرسل قبل أن يبعث محمد صلىاللهعليهوسلم إلى الإنس ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث إلى الجن والإنس».