تَعْلَمُونَ (٣٨) وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٣٩))
(قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ) ، يعني : يقول الله لهم يوم القيامة ادخلوا في أمم ، أي : مع جماعات ، (قَدْ خَلَتْ) ، مضت ، (مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ) ، يعني : كفار الأمم الخالية ، (كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها) ، يريد أختها في الدين لا في النسب ، فتلعن اليهود اليهود والنصارى النصارى ، وكل فرقة تلعن أختها ويلعن الأتباع القادة ، ولم يقل أخاها لأنه عنى الأمة والجماعة ، (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها) ، أي : تداركوا وتلاحقوا واجتمعوا في النار ، (جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ) ، قال مقاتل : يعني أخراهم دخولا النار وهم الأتباع ، (لِأُولاهُمْ) ، أي : لأولاهم دخولا وهم القادة ، لأن القادة يدخلون النار أوّلا. قال ابن عباس : يعني آخر كل أمة لأولاها. وقال السدي : أهل [آخر](١) الزمان لأولاهم الذين شرعوا لهم ذلك الدين ، (رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا) عن الهدى ، يعني : القادة (فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ) ، أي : ضعّف عليهم العذاب ، (قالَ) الله تعالى : (لِكُلٍّ ضِعْفٌ) ، يعني : القادة والأتباع ضعف من العذاب ، (وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ) ما لكل فريق منكم (٢) من العذاب. وقرأ أبو بكر لا يعلمون بالياء ، أي : لا يعلم الأتباع ما للقادة ولا القادة ما للأتباع.
(وَقالَتْ أُولاهُمْ) ، يعني : القادة ، (لِأُخْراهُمْ) ، يعني : للأتباع ، (فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) ، لأنكم كفرتم كما كفرنا فنحن وأنتم في الكفر سواء وفي العذاب سواء ، (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ).
(إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (٤٠) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٤١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٤٢) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣))
(إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ) ، بالتاء ، خفّف (٣) أبو عمرو ، وبالياء ، خفف (٤) حمزة والكسائي ، والباقون بالتاء والتشديد ، (لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ) ، لأدعيتهم ولا لأعمالهم.
وقال ابن عباس : لأرواحهم لأنها خبيثة لا يصعد بها بل يهوى بها إلى سجين ، إنما تفتّح أبواب السماء لأرواح المؤمنين وأدعيتهم وأعمالهم ، (وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) ، أي : حتى يدخل البعير في ثقب الإبرة ، والخياط والمخيط واحد ، وهو الإبرة والمراد منه أنهم لا يدخلون الجنّة أبدا لأن الشيء إذا علّق بما يستحيل كونه دلّ ذلك على تأكيد المنع ، كما يقال : لا أفعل ذلك حتى يشيب الغراب أو يبيض القار ، يريد : لا أفعله أبدا. (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ).
(لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ) ، أي : فراش ، (وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) ، أي : لحف. وهي جمع غاشية ، يعني : ما غشّاهم وغطّاهم ، يريد إحاطة النار بهم من كل جانب ؛ كما قال الله : (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ
__________________
(١) سقط من المطبوع.
(٢) كذا في المطبوع وط ، وفي المخطوطتين «منهم».
(٣) في المخطوطتين «خفيف».
(٤) في المخطوطتين «خفيف».