وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (٤٦))
(الَّذِينَ يَصُدُّونَ) ، أي : يصرفون الناس ، (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ، طاعة الله ، (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) ، أي : يطلبونها زيغا وميلا ، أي : يبطلون سبيل الله جائرين [عن القصد](١) ، قال ابن عباس : يصلّون لغير الله ، يعظّمون ما لم يعظّمه الله. والعوج بكسر العين : في الدّين والأمر والأرض وكل ما لم يكن قائما ، وبالفتح في كل ما كان قائما كالحائط والرمح ونحوهما. (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ).
(وَبَيْنَهُما حِجابٌ) ، يعني : بين الجنّة والنار. وقيل : بين أهل [الجنة وبين أهل](٢) النار حجاب ، وهو السور الذي ذكر الله في قوله : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ) [الحديد : ١٣] ، قوله تعالى : (وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ) ، هي ذلك السور الذي بين الجنّة والنار ، وهي جمع عرف وهو اسم للمكان المرتفع ، ومنه عرف الديك لارتفاعه على ما سواه من جسده. وقال السدي : سمّي ذلك السور أعرافا لأن أصحابه يعرفون الناس. واختلفوا في الرجال الذين أخبر الله عنهم أنهم على الأعراف ، فقال حذيفة وابن عباس : هم قوم استوت حسناتهم وسيّئاتهم فقصرت بهم سيئاتهم عن الجنّة وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار ، فوقفوا هناك حتى يقضي الله فيهم ما يشاء ثم يدخلون الجنّة بفضل رحمته ، وهم آخر من يدخل الجنّة.
[٩٢٤] أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة ثنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث ثنا محمد بن يعقوب الكسائي ثنا عبد الله بن محمود ثنا إبراهيم بن عبد الله الخلّال ثنا عبد الله بن المبارك عن أبي بكر الهذلي قال : قال سعيد بن جبير يحدّث :
عن ابن مسعود قال : يحاسب الناس يوم القيامة فمن كانت حسناته أكثر من سيّئاته بواحدة دخل الجنّة ، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار ، ثم قرأ قوله : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) [الأعراف : ٨ ـ ٩] ، ثم قال : إن الميزان يخف بمثقال حبة أو يرجح ، قال : [و] من استوت حسناته وسيّئاته كان من أصحاب الأعراف فوقفوا على الصراط ، ثم عرفوا أهل الجنّة وأهل النار فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوا سلام عليكم ، وإذا صرفوا أبصارهم إلى أصحاب النار قالوا : ربّنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين ، فأمّا أصحاب الحسنات فإنهم يعطون نورا يمشون به بين أيديهم وبأيمانهم ، ويعطى كل يومئذ نورا فإذا أتوا على الصراط سلب الله نور كلّ منافق ومنافقة ، فلمّا رأى أهل الجنّة ما لقي المنافقون قالوا ربّنا أتمم لنا نورنا ، فأمّا أصحاب الأعراف فإن النور لم ينزع من بين أيديهم ، ومنعتهم سيئاتهم أن يمضوا وبقي في قلوبهم الطمع إذ لم ينزع النور من بين أيديهم ، [فهنالك يقول الله : (لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ) ، وكان الطمع للنّور الذي بين أيديهم](٣) ، ثم أدخلوا الجنّة ، فكانوا آخر أهل الجنّة دخولا.
وقال شرحبيل بن سعد : أصحاب الأعراف قوم خرجوا في الغزو بغير إذن آبائهم.
__________________
[٩٢٤] ـ موقوف ضعيف. له علتان : الأولى : سعيد بن جبير لم يدرك ابن مسعود ، والثانية : ضعف أبي بكر الهذلي ، وهو سلمى بن عبد الله.
وهو في «زيادات نعيم في الزهد» ٤١١ عن ابن المبارك بهذا الإسناد ومن طريقه أخرجه الطبري ١٤٦٩٨.
__________________
(١) زيادة عن المخطوطتين وط.
(٢) زيادة عن المخطوط وط.
(٣) زيد في المطبوع وط.