عصت عاد رسولهم فأمسوا |
|
عطاشا ما تبلهم السماء |
لهم صنم يقال له صمود |
|
يقابله صداء والهباء |
فبصّرنا الرسول سبيل رشد |
|
فأبصرنا الهدى وجلى العماء |
وإن إله هود هو إلهي |
|
على الله التوكل والرجاء |
فقالوا لمعاوية بن بكر : احبس عنا مرثد بن سعد فلا يقدمنّ معنا مكة فإنه قد اتبع دين هود وترك ديننا ثم خرجوا إلى مكة يستسقون لعاد ، فلما ولّوا إلى مكة خرج مرثد بن سعد من منزل معاوية حتى أدركهم قبل أن يدعوا الله بشيء مما خرجوا له ، فلمّا انتهى إليهم قام يدعو الله وبها وفد عاد يدعون ، فقال : اللهمّ أعطني سؤلي وحدي ولا تدخلني في شيء مما يدعوك به وفد عاد ، وكان قيل بن عنز رأس وفد عاد ، فقال وفد عاد : اللهمّ أعط قيلا ما سألك واجعل سؤلنا مع سؤله ، وكان قد تخلف عن وفد عاد حين دعوا لقمان بن عاد ، وكان سيّد عاد ، حتى إذا فرغوا من دعوتهم ، فقال : اللهمّ إني جئتك وحدي في حاجتي فأعطني سؤلي ، وسأل الله طول العمر فعمر عمر سبعة أنسر ، وقال قيل بن عنز حين دعا : يا إلهنا إن كان هود صادقا فاسقنا فإنا قد هلكنا ، فأنشأ الله سحائب ثلاثة بيضاء وحمراء وسوداء ، ثم ناداه مناد من السحاب : يا قيل اختر لنفسك وقومك من هذه السحائب ما شئت ، فقال قيل : اخترت السحابة السوداء فإنها أكثر السحاب ماء فناداه مناد اخترت رمادا رمددا لا يبقي من آل عاد أحدا ، وساق الله السحابة السوداء التي اختارها قيل بما فيها من النقمة إلى عاد حتى خرجت عليهم من واد لهم يقال له المغيث ، فلمّا رأوها استبشروا وقالوا : هذا عارض ممطرنا ، يقول الله تعالى : (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها) [الأحقاف : ٢٤ ـ ٢٥] ، أي : كل شيء مرّت به ، وكان أول من أبصر ما فيها وعرف أنها ريح مهلكة امرأة من عاد يقال لها مهدد ، فلما تبيّنت ما فيها صاحت [بأعلى صوتها](١) ثم صعقت ، فلما أفاقت قالوا لها : ما ذا رأيت؟ قالت : رأيت الريح فيها كشهب النار أمامها رجال يقودونها ، فسخّرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما ، فلم تدع من آل عاد أحدا إلا هلك ، واعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبه هو ومن معه من الريح إلا ما تلين عليه الجلود وتلذّ الأنفس ، وإنها لتمرّ من عاد بالظعن فتحملهم بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة ، وخرج وفد عاد (٢) من مكة حتى مرّوا بمعاوية بن بكر فنزلوا عليه فبينما هم عنده إذا أقبل رجل على ناقة في ليلة مقمرة مساء ثالثة من مصاب عاد فأخبرهم الخبر ، فقالوا له : فأين فارقت هودا وأصحابه؟ فقال : فارقتهم بساحل البحر فكأنهم شكّوا فيما حدثهم به ، فقالت هزيلة بنت بكر : صدق وربّ مكة.
وذكروا أن مرثد بن سعد ولقمان بن عاد وقيل بن عنز حين دعوا بمكة قيل لهم : قد أعطيتم مناكم فاختاروا لأنفسكم إلّا أنه لا سبيل إلى الخلود ، ولا بدّ من الموت ، فقال مرثد : اللهمّ أعطني صدقا وبرا فأعطي ذلك ، وقال لقمان : أعطني يا ربّ عمرا فقيل له اختر فاختار عمر سبعة أنسر ، فكان يأخذ الفرخ حين يخرج من بيضته فيأخذ الذكر منها لقوّته ، حتى إذا مات أخذ غيره فلم يزل يفعل ذلك حتى أتى على السابع ، وكان كل نسر يعيش ثمانين سنة ، وكان آخرها لبدا فلما مات لبد مات لقمان معه. وأمّا قيل فإنه قال : أختار أن يصيبني ما أصاب قومي ، فقيل له : إن الهلاك ، فقال : لا أبالي لا حاجة لي في البقاء (٣)
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المخطوط «عبد القيس» بدل «عاد».
(٣) في المخطوط «الدنيا» بدل «البقاء».