لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٧٥) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٧٦) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧٧))
(وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ) ، أسكنكم وأنزلكم ، (فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً) ، كانوا ينقبون في الجبال البيت ففي الصيف يسكنون بيوت الطين ، وفي الشتاء بيوت الجبل ، وقيل : كانوا ينحتون في الجبل البيوت لأن بيوت الطين ما كانت تبقى مدة أعمارهم لطول أعمارهم ، (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) ، والعيث (١) : أشدّ الفساد.
(قالَ الْمَلَأُ) ، قرأ ابن عامر : (وقال الملأ) بالواو ، (الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) ، يعني : الأشراف والقادة الذين تعظموا عن الإيمان بصالح ، (لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) ، يعني الأتباع ، (لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) ، يعني : قال الكفار للمؤمنين ، (أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ) ، إليكم ، (قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ).
(قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٧٦)) ، جاحدون.
(فَعَقَرُوا النَّاقَةَ) ، قال الأزهري : العقر هو قطع عرقوب البعير ، [العرقوب من البعير](٢) ، ثم جعل النحر عقرا لأنّ ناحر البعير يعقره ثم ينحره. (وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) ، والعتوّ الغلو بالباطل ، يقال : عتا يعتو عتوّا إذا استكبر. والمعنى : عصوا الله وتركوا أمره في الناقة وكذّبوا نبيّهم. (وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا) ، أي : من العذاب ، (إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ).
(فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٧٨) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (٧٩))
(فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) ، وهي زلزلة الأرض وحركتها وأهلكوا بالصيحة والرجفة ، (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ) ، قيل : أراد الديار ، وقيل : أراد في أرضهم وبلدتهم ، فلذلك وحّد الدار ، (جاثِمِينَ) ، خامدين ميتين. قيل : سقطوا على وجوههم موتى عن آخرهم.
(فَتَوَلَّى) ، أعرض صالح ، (عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) ، فإن قيل : كيف خاطبهم بقوله لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم بعد ما أهلكوا بالرجفة؟ قيل : كما :
[٩٣٢] خاطب النبيّ صلىاللهعليهوسلم الكفار من قتلى بدر حين ألقاهم في القليب ، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء
__________________
[٩٣٢] ـ صحيح. أخرجه البخاري ٣٩٧٦ ومسلم ٢٨٧٥ وأحمد (٤ / ٢٩) وأبو يعلى ١٤٣١ من طرق عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال : «ذكر لنا أنس عن أبي طلحة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش ...» فذكره بأتم منه.
وأخرجه مسلم ٢٨٧٣ والنسائي (٤ / ١٠٩) وأحمد (١ / ٢٦ ، ٢٧) وأبو يعلى ١٤٠ من حديث عمر بن الخطاب بنحوه.
__________________
(١) في المطبوع «العثو».
(٢) في المطبوع وط «عرقوب البعير».