آبائهم : أيسرّكم أنّكم أطعتم الله ورسوله فإنّا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فقال عمر : يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح فيها؟ فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «والذي نفس محمد بيده ، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكن لا يجيبون».
وقيل : خاطبهم ليكون عبرة لمن خلفهم ، وقيل : في الآية تقديم وتأخير تقديرها : فتولّى عنهم ، وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي فأخذتهم الرجفة.
وكانت قصة ثمود على ما ذكره محمد بن إسحاق ووهب وغيرهما : أن عاد لما هلكت وتقضّى أمرها عمرت ثمود بعدها واستخلفوا في الأرض فدخلوا فيها وعمروا وكثروا حتى جعل أحدهم يبني المسكن من المدر فينهدم والرجل منهم حي ، فلما رأوا ذلك اتخذوا من الجبال بيوتا ، وكانوا في سعة من معاشهم فعثوا وأفسدوا في الأرض وعبدوا غير الله ، فبعث الله إليهم (١) صالحا وكانوا قوما عربا وكان صالح من أوسطهم نسبا وأفضلهم حسبا وموضعا ، فبعثه الله إليهم غلاما شابا فدعاهم إلى الله حتى شمط وكبر لا يتبعه منهم إلّا قليل مستضعفون ، فلمّا ألحّ عليهم صالح بالدعاء والتبليغ وأكثر لهم التحذير والتخويف سألوه أن يريهم آية تكون مصداقا إلى ما يقول ، فقال لهم : أيّ آية تريدون؟ قالوا : أن تخرج معنا غدا إلى عيدنا ، وكان لهم عيد يخرجون فيه بأصنامهم في يوم معلوم من السنة فتدعو إلهك وندعوا آلهتنا ، فإن استجيب لك اتبعناك وإن استجيب لنا اتّبعتنا ، فقال لهم صالح : نعم ، فخرجوا بأوثانهم إلى عيدهم ، وخرج صالح معهم فدعوا أوثانهم وسألوها أن لا يستجاب لصالح في شيء مما يدعو به ، ثم قال جندع بن عمرو بن حراش وهو يومئذ سيد ثمود : يا صالح أخرج لنا من هذه الصخرة ـ وهي صخرة منفردة في ناحية الحجر يقال لها الكاثبة ـ ناقة مخترجة جوفاء وبراء عشراء ـ والمخترجة ما شاكل البخت من الإبل ـ فإن فعلت صدّقناك وآمنّا بك ، فأخذ عليهم صالح مواثيقهم لئن فعلت لتصدقني ولتؤمنن بي ، قالوا : نعم ، فصلّى صالح ركعتين ودعا ربه فتمخّضت الصخرة تمخض النتوج بولدها ، ثم تحركت الهضبة فانصدعت عن ناقة عشراء جوفاء وبراء كما وصفوا لا يعلم ما بين جنبيها عظما إلا الله ، وهم ينظرون ثم نتجت سقبا مثلها في العظم ، فآمن به جندع بن عمرو ورهط من قومه وأراد أشراف ثمود أن يؤمنوا به ويصدّقوه فنهاهم ذؤاب بن عمرو بن لبيد (٢) والحباب صاحب أوثانهم ورباب بن صمعر (٣) وكان كاهنهم وكانوا من أشراف ثمود ، فلما خرجت الناقة قال لهم صالح : هذه ناقة الله لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ، فمكثت الناقة ومعها سقبها في أرض ثمود ترعى الشجر وتشرب الماء ، وكانت ترد الماء غبا فإذا كان يومها وضعت رأسها في بئر في الحجر يقال لها بئر الناقة فما ترفع رأسها حتى تشرب كل ماء فيها فلا تدع قطرة ثم ترفع رأسها فتتفحج حتى تفحج لهم فيحلبون ما شاءوا من لبن فيشربون ويدّخرون
__________________
وأخرجه مسلم ٢٨٧٤ وأحمد (٣ / ١٠٤ و ٢١٩ و ٢٢٠ و ٢٨٧) وأبو يعلى ٣٣٢٦ وابن حبان ٦٥٢٥ من حديث أنس بنحوه.
وأخرج البخاري ٣٩٨٠ و ٣٩٨١ عن ابن عمر رضي الله عنه قال : وقف النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : «هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ ثم قال : إنهم الآن يسمعون ما أقول» : فذكر لعائشة فقالت : إنما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق. ثم قرأت (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) حتى قرأت الآية.
__________________
(١) في المطبوع وحده «فيهم».
(٢) تصحف في المخطوط «أسد».
(٣) تصحف في المخطوط «صغر».