حتى يملئوا أوانيهم كلّها ثم تصدر من غير الفج الذي منه وردت لا تقدر أن تصدر من حيث ترد يضيق عنها ، حتى إذا كان [الغد كان](١) يومهم فيشربون ما شاءوا من الماء ويدّخرون ما شاءوا ليوم الناقة ، فهم على ذلك في سعة ودعة وكانت الناقة تصيف إذا كان الحر بظهر الوادي فتهرب منها المواشي أغنامهم وبقرهم وإبلهم فتهبط إلى بطن الوادي في حرّه وجدبه ، وتشتو ببطن (٢) الوادي إذا كان الشتاء فتهرب مواشيهم إلى ظهر الوادي في البرد والجدب فأضرّ ذلك بمواشيهم للبلاء والاختبار ، فكبر ذلك عليهم فعتوا عن أمر ربهم وحملهم ذلك على عقر الناقة ، فأجمعوا على عقرها ، وكانت امرأتان من ثمود إحداهما يقال لها : عنيزة بنت غنم بن مجلز تكنّى بأم غنم ، وكانت امرأة ذؤاب بن عمرو وكانت عجوزا مسنة ، وكانت ذات بنات حسان وذات مال من إبل وبقر وغنم وامرأة أخرى يقال لها صدوق (٣) بنت المحيا وكانت جميلة غنية ذات مواش كثيرة ، وكانتا من أشدّ الناس عداوة لصالح وكانتا تحبان عقر الناقة لما أضرّت بهما من مواشيهما فتحيلتا في عقر الناقة فدعت صدوف رجلا من ثمود يقال له الحباب لعقر الناقة ، وعرضت عليه نفسها إن هو فعل فأبى عليها ، فدعت ابن عم لها يقال له مصدع بن مهرج بن المحيا ، وجعلت له نفسها على أن يعقر الناقة وكانت من أحسن الناس وأكثرهم مالا ، فأجابها إلى ذلك ودعت عنيزة بنت غنم قدار بن سالف وكان رجلا أحمر أزرق [العينين](٤) قصيرا ، يزعمون أنه كان لزانية ولم يكن لسالف ولكنه ولد على فراش سالف ، فقالت : أعطيك أيّ بناتي شئت على أن تعقر الناقة ، وكان قدار عزيزا منيعا في قومه.
[٩٣٣] أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا هشام عن أبيه أنه أخبره عبد الله بن زمعة :
أنه سمع النبيّ صلىاللهعليهوسلم يخطب وذكر الناقة والذي عقرها ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «(إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (١٢)) [الشمس : ١٢] ، انبعث لها رجل عزيز عارم منيع في قومه مثل أبي زمعة».
رجعنا إلى القصة ، قالوا : فانطلق قدار بن سالف ومصدع بن مهرج فاستغويا غواة ثمود فاتّبعهم سبعة نفر فكانوا تسعة رهط ، فانطلق قدار ومصدع وأصحابهما فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء وقد كمن لها قدار في أصل صخرة على طريقها ، وكمن لها مصدع في طريق آخر فمرّت على مصدع ، فرماها بسهم فانتظم به (٥) في عضلة ساقها ، وخرجت أم غنم عنيزة وأمرت ابنتها وكانت من أحسن الناس فسفرت لقدار ثم ذمّرته (٦) ، فشدّ على الناقة بالسيف فكشف عرقوبها فخرّت ورغت رغاة واحدة تحذر
__________________
[٩٣٣] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
وهيب هو ابن خالد ، هشام هو ابن عروة بن الزبير.
وهو في «صحيح البخاري» ٤٩٤٢ عن موسى بن إسماعيل بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٣٣٧٧ ومسلم ٢٨٥٥ والترمذي ٣٣٤٣ والنسائي في «الكبرى» ١١٦٧٥ وأحمد (٤ / ١٧) والدارمي (٢ / ١٤٧) وابن حبان ٥٧٩٤ من طرق عن هشام بن عروة به.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط وط.
(٢) كذا في المطبوع وط ، وفي المخطوط «وتستوطن بطن».
(٣) تصحف في المخطوط «صدوف» والمثبت عن نسخ المطبوع وتفسير ابن كثير (٢ / ٢٨٩)
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) لفظ «به» ليس في المخطوط ، وهو مثبت في ابن كثير أيضا (٢ / ٢٩٠)
(٦) تصحف في المطبوع «زمرته» والمعنى «شجّعته».