سقبها ، ثم طعن في لبتها فنحرها ، وخرج أهل البلد واقتسموا لحمها وطبخوه ، فلما رأى سقبها (١) ذلك انطلق [هاربا](٢) حتى أتى جبلا منيعا يقال له صنو ، وقيل : اسمه قارة وأتى صالح فقيل له : أدرك الناقة فقد عقرت ، فأقبل وخرجوا يتلقونه ويعتذرون إليه : يا نبي الله إنّما عقرها فلان لا ذنب لنا ، فقال صالح : انظروا هل تذكرون فصيلها فإن أدركتموه فعسى أن يرفع الله عنكم العذاب ، فخرجوا يطلبونه ، فلما رأوه على الجبل ذهبوا ليأخذوه ، فأوحى الله إلى الجبل فتطاول في السماء حتى ما يناله الطير ، وجاء صالح فلما رآه الفصيل بكى حتى سالت دموعه ، ثم رغا ثلاثا وانفجرت الصخرة فدخلها ، فقال [لهم](٣) صالح : لكل رغوة أجل يوم فتمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب. وقال ابن إسحاق : اتبع السقب أربعة نفر من التسعة الذين عقروا الناقة ، وفيهم مصدع بن مهرج وأخوه ذؤاب بن مهرج فرماه مصدع بسهم فانتظم [في] قلبه ثم جرّه برجله فأنزله ، وألقى لحمه مع لحم أمه ، فقال لهم صالح : انتهكتم حرمة الله فأبشروا بعذاب الله ونقمته ، فقالوا وهم يهزءون به : ومتى ذلك؟ وما آية ذلك يا صالح؟ وكانوا يسمّون الأيام فيهم الأحد أول والاثنين أهون والثلاثاء دبار والأربعاء جبار والخميس مؤنسا والجمعة عروبة والسبت شبار ، وكانوا عقروا الناقة يوم الأربعاء ، فقال لهم صالح حين قالوا ذلك : تصبحون غداة يوم مؤنس ووجوهكم مصفرة ، ثم تصبحون يوم العروبة ووجوهكم محمرة ، ثم تصبحون يوم شبار ووجوهكم مسودة ، ثم يصبحكم العذاب يوم أول ، فلما قال لهم صالح [ذلك] قال التسعة الذين عقروا الناقة : هلمّ فلنقتل صالحا فإن كان صادقا عجلناه قبلنا ، وإن كان كاذبا قد كنّا ألحقناه بناقته فأتوه ليلا ليبيتوه في أهله ، فدمغتهم الملائكة بالحجارة ، فلما أبطئوا على أصحابهم أتوا منزل صالح [لينظروا أصحابهم](٤) فوجدوهم قد رضخوا بالحجارة ، فقالوا لصالح : أنت قتلتهم ، ثم هموا به فقامت عشيرته دونه ولبسوا السلاح ، وقالوا لهم : والله لا تقتلونه أبدا فقد وعدكم أن العذاب نازل بكم بعد ثلاث ، فإن كان صادقا لم تزيدوا ربكم عليكم إلّا غضبا وإن كان كاذبا فأنتم وراء ما تريدون ، فانصرفوا عنه ليلتهم فأصبحوا يوم الخميس ووجوههم مصفرّة كأنّما طليت بالخلوق صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأنثاهم ، فعند ذلك أيقنوا العذاب وعرفوا أن صالحا قد صدقهم ، فطلبوه ليقتلوه فخرج صالح هاربا منهم حتى جاء إلى بطن من ثمود يقال لهم بني غنم ، فنزل على سيّدهم رجل يقال له : نفيل ويكنّى بأبي هدب وهو مشرك فغيّبه عنهم ولم يقدروا عليه فغدوا على أصحاب صالح يعذّبونهم ليدلوهم عليه ، فقال رجل من أصحاب صالح يقال له مبدع بن هرم : يا نبيّ الله إنهم ليعذّبوننا لنهديهم عليك أفندلهم؟ قال : نعم ، فدلّهم عليه وأتوا أبا هدب فكلّموه في ذلك ، فقال : نعم عندي صالح وليس لكم عليه سبيل ، فأعرضوا عنه وتركوه وشغلهم عنه ما أنزل الله بهم من العذاب ، فجعل بعضهم يخبر بعضا بما يرون في وجوههم ، فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم ألا قد مضى يوم من الأجل ، فلما أصبحوا اليوم الثاني إذا وجوههم محمرة كأنما خضبت بالدماء فصاحوا وبكوا ، فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم ألا قد مضى يومان من الأجل وحضركم العذاب ، فلما أصبحوا اليوم الثالث إذا وجوههم مسودة كأنّما طليت بالقار فصاحوا بأجمعهم ألا قد حضركم العذاب ، فلما أن كانت ليلة الأحد خرج صالح من بين أظهرهم ومن أسلم معه إلى الشام ، فنزل رملة فلسطين ، فلما أصبح القوم تكفّنوا وتحنّطوا وألقوا أنفسهم بالأرض يقلبون أبصارهم إلى السماء مرّة وإلى الأرض مرّة لا يدرون من أين يأتيهم العذاب ، فلما اشتدّ الضحى من يوم الأحد أتتهم صيحة من السماء
__________________
(١) تصحف في المطبوع «سبقها» والمراد فصيلها.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.