فيها صوت كل صاعقة ، وصوت كل شيء له صوت في الأرض فقطّعت قلوبهم في صدورهم فلم يبق منهم صغير ولا كبير إلّا هلك ؛ كما قال الله تعالى : (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) ، إلّا جارية مقعدة يقال لها ذريعة بنت سالف (١) وكانت كافرة شديدة العداوة لصالح فأطلق الله رجليها بعد ما عاينت العذاب فخرجت كأسرع ما يرى شيء قطّ حتى أتت قزح وهو واد القرى ، فأخبرتهم بما عاينته من العذاب وما أصاب ثمود ، ثم استسقت من الماء فسقيت فلما شربت ماتت. وذكر السدي في عقر الناقة : وأوحى الله إلى صالح عليهالسلام أنّ قومك سيعقرون ناقتك ، فقال لهم ذلك فقالوا : ما كنّا لنفعل ، فقال صالح : إنه يولد في شهركم هذا غلام يعقرها فيكون هلاككم على يديه ، فقالوا : لا يولد لنا ولد في هذا الشهر إلا قتلناه ، قال : فولد لتسعة منهم في ذلك الشهر فذبحوا أبناءهم ثم ولد للعاشر فأبى أن يذبح ابنه ، وكان لم يولد له قبل ذلك وكان ابنه أزرق [العينين](٢) أحمر فنبت نباتا سريعا فكان إذا مرّ بالتسعة قالوا : لو كان أبناؤنا أحياء لكانوا مثل هذا ، فغضب التسعة على صالح لأنه كان سبب قتل أولادهم ، فتقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ، قالوا : نخرج فيرى الناس أنا قد خرجنا إلى سفر فنأتي الغار فنكون فيه حتى إذا كان الليل وخرج صالح إلى مسجد أتيناه فقتلناه ، ثم رجعنا إلى الغار فبتنا (٣) فيه ثم انصرفنا إلى رحلنا فقلنا ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون فيصدّقوننا ويظنون أنّا قد خرجنا إلى سفر ، وكان صالح لا ينام معهم في القرية ، وكان يبيت في مسجد يقال له : مسجد صالح ، فإذا أصبح أتاهم فوعظهم وذكّرهم وإذا أمسى خرج إلى المسجد فبات فيه ، فانطلقوا فدخلوا الغار ، فسقط عليهم الغار فقتلهم فانطلق رجال ممن قد اطّلع على ذلك منهم (٤) فإذا هم رضخ فرجعوا يصيحون في القرية : أي عباد الله ما رضي صالح أن أمرهم بقتل أولادهم حتى قتلهم ، فاجتمع أهل القرية [عليهم فرأوهم قتلى فأجمعوا](٥) على عقر الناقة. وقال ابن إسحاق : كان تقاسم التسعة على تبييت صالح بعد عقرهم الناقة كما ذكرنا ، قال السدي وغيره : فلما ولد ابن العاشر [ـ يعني قدار ـ شبّ في اليوم شباب غيره في الجمعة وشبّ في شهر شباب غيره في السنة ، فلما كبر جلس] مع أناس يصيبون من الشراب ، فأرادوا ماء يمزجون به شرابهم ، وكان ذلك اليوم شرب الناقة فوجدوا الماء قد شربته الناقة ، فاشتدّ ذلك عليهم وقالوا : ما نصنع نحن باللبن لو كنّا نأخذ هذا الماء الذي تشربه هذه الناقة فنسقيه أنعامنا وحروثنا كان خيرا لنا ، فقال ابن العاشر : هل لكم في أن أعقرها لكم؟ قالوا : نعم ، فعقرها (١).
[٩٣٤] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنبأنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا محمد بن مسكين ثنا يحيى بن حسان بن حيان أبو زكريا ثنا سليمان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر :
__________________
(١) خبر ثمود أخرجه الطبري ١٤٨١٩ عن السدي قوله ، وكرره ١٤٨٢٠ عن ابن إسحاق به ، وهذه الآثار مصدرها كتب الأقدمين.
[٩٣٤] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري.
وهو في «شرح السنة» ٤٠٦٢ بهذا الإسناد ، وهو في «صحيح البخاري» ٣٣٧٨ عن محمد بن مسكين به.
وأخرجه البيهقي في «الدلائل» (٥ / ٢٣٣ ، ٢٣٤) عن محمد بن مسكين به.
__________________
(١) تصحف في المخطوط «سلف».
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) في المطبوع «فكنا».
(٤) في المخطوط «في أذاهم» بدل «منهم فإذا هم».
(٥) زيادة عن المخطوط.