يوم بدر ، فرّق الله [فيه](١) بين الحقّ والباطل وهو (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) ، حزب الله وحزب الشيطان ، وكان يوم الجمعة لسبع عشرة مضت من رمضان ، (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، على نصركم مع قلّتكم وكثرتهم.
(إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (٤٢) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤٣) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤٤))
(إِذْ أَنْتُمْ) ، أي : إذ أنتم نزول يا معشر المسلمين ، (بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا) ، بشفير الوادي الأدنى إلى المدينة ، والدنيا : تأنيث الأدنى ، (وَهُمْ) ، يعني عدوّكم من المشركين ، (بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى) ، بشفير الوادي الأقصى من المدينة ، والقصوى تأنيث الأقصى. قرأ ابن كثير وأهل البصرة (بِالْعُدْوَةِ) بكسر العين فيهما والباقون بضمّها (٢) ، وهما لغتان كالكسوة والكسوة والرشوة والرشوة. (وَالرَّكْبُ) ، يعني : العير يريد أبا سفيان وأصحابه ، (أَسْفَلَ مِنْكُمْ) ، أي : في موضع أسفل منكم إلى ساحل البحر ، على ثلاثة أميال من بدر ، (وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ) ، وذلك أن المسلمين خرجوا ليأخذوا العير وخرج الكفار ليمنعوها ، فالتقوا على غير ميعاد ، فقال تعالى : (وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ) ، لقلّتكم وكثرة عدوّكم ، (وَلكِنْ) الله جمعكم على غير ميعاد ، (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) ، من نصر أوليائه وإعزاز دينه وإهلاك أعدائه ، (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ) ، أي : ليموت من يموت على بيّنة رآها وعبرة عاينها وحجّة قامت عليه. ويحيى من حي عن بينة ، ويعيش من يعيش على بيّنة لوعده : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء : ١٥]. وقال محمد بن إسحاق : ليكفر من كفر بعد حجّة قامت عليه ، ويؤمن من آمن على مثل ذلك ، فالهلاك هو الكفر والحياة هي الإيمان. وقال قتادة : ليضلّ [من ضلّ](٣) عن بينة ويهتدي (٤) من اهتدى على بينة. قرأ أهل الحجاز وأبو بكر ويعقوب حيي بياءين مثل «خشي» ، وقرأ الآخرون بياء واحدة مشددة لأنه مكتوب بياء واحدة. (وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ) ، لدعائكم ، (عَلِيمٌ) ، بنيّاتكم.
قوله تعالى : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ) ، يريك يا محمد المشركين ، (فِي مَنامِكَ) ، أي : [في](٥) نومك. وقال الحسن : في منامك أي في عينك ، لأن العين موضع النوم. (قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ) ، لجبنتم (٦)(وَلَتَنازَعْتُمْ) ، أي : اختلفتم (فِي الْأَمْرِ) ، أي : في الإحجام والإقدام ، (وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) ، أي : سلّمكم من المخالفة والفشل ، (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ). قال ابن عباس : علم ما في صدوركم من الحبّ لله عزوجل.
(وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً) ، قال مقاتل : وذلك أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم رأى في المنام أن
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «بضمهما».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «ويهدي».
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) في المخطوط «جبنتم».