العدو قليل قبل لقاء العدو ، وأخبر أصحابه بما رأى ، فلما التقوا ببدر قلّل الله المشركين في أعين المؤمنين.
قال ابن مسعود رضي الله عنه : لقد قلّلوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبي : أتراهم سبعين؟ قال : أراهم مائة ، فأسرنا رجلا فقلنا : كم كنتم؟ قال : ألفا. (وَيُقَلِّلُكُمْ) ، يا معشر المؤمنين (فِي أَعْيُنِهِمْ) ، قال السدي : قال ناس من المشركين إن العير قد انصرفت فارجعوا ، فقال أبو جهل : الآن إذ برز لكم محمد وأصحابه؟ فلا ترجعوا حتى تستأصلوهم ، إنما محمد وأصحابه أكلة جزور ، فلا تقتلوهم واربطوهم بالحبال. يقوله من القدرة التي في (١) نفسه.
قال الكلبي : استقلّ بعضهم بعضا ليجترءوا على القتال ، فقلّل المشركين في أعين المؤمنين لكي لا يجبنوا ، وقلّل المؤمنين في أعين المشركين لكي لا يهربوا ، (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً) من إعلاء الإسلام وإعزاز أهله وإذلال الشرك وأهله ، (كانَ مَفْعُولاً) كائنا ، (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥) وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦))
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً) ، أي : جماعة كافرة (فَاثْبُتُوا) ، لقتالهم ، (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) ، أي : ادعوا الله بالنصرة والظفر بهم ، (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، أي : كونوا على رجاء الفلاح.
(وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا) ، لا تختلفوا ، (فَتَفْشَلُوا) ، أي : تجبنوا وتضعفوا ، (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) ، قال مجاهد : نصرتكم. وقال السدي : جراءتكم وجدكم. وقال مقاتل بن حيان : حدّتكم. وقال النضر بن شميل : قوّتكم. وقال الأخفش : دولتكم. والريح هاهنا كناية عن نفاذ الأمر وجريانه على المراد ، تقول العرب : هبّت ريح فلان إذا أقبل أمره على ما يريد. قال قتادة وابن زيد : هو ريح النصر لم يكن نصر قطّ إلا بريح يبعثها الله عزوجل تضرب وجوه العدوّ.
[١٠٠٧] ومنه قول النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «نصرت بالصّبا وأهلكت عاد بالدبور».
[١٠٠٨] وعن النعمان بن مقرّن قال : شهدت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فكان إذا لم يقاتل أول النهار انتظر
__________________
[١٠٠٧] ـ صحيح. أخرجه البخاري ١٠٣٥ و ٣٢٠٥ و ٣٣٤٣ و ٤١٠٥ ومسلم ٩٠٠ والطيالسي ٢٦٤١ وأحمد (١ / ٣٢٤ و ٣٤١ و ٣٥٥ و ٢٢٨) وابن حبان ٤٢١ والبيهقي (٣ / ٣٦٤) والبغوي ١١٤٤ من طرق عن شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا.
وأخرجه ابن أبي شيبة (١١ / ٤٣٣ ، ٤٣٤) ومسلم ٩٠٠ وأحمد (١ / ٢٢٣ و ٣٧٣) وأبو يعلى ٢٥٦٣ و ٢٦٨٠ والبيهقي (٣ / ٣٦٤) والقضاعي ٥٧٢ من طرق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا.
[١٠٠٨] ـ جيد. أخرجه أبو داود ٢٦٥٥ والترمذي ١٦١٢ والنسائي في «الكبرى» ٨٦٣٧ وابن أبي شيبة (١٢ / ٣٦٨ ، ٣٦٩) وأحمد (٥ / ٤٤٤ و ٤٤٥) وابن حبان ٤٧٥٧ والحاكم (٢ / ١١٦) والبيهقي (٩ / ١٥٣) من طرق عن حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني عن علقمة عن معقل بن يسار عن النعمان بن مقرّن قال : شهدت رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ لم يقاتل من أوّل النهار أخّر القتال حتى تزول الشمس وتهبّ الرياح ، وينزل النصر.
وصححه الحاكم على شرط مسلم ، ووافقه الذهبي ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح. وهو كما قالوا.
__________________
(١) في المخطوط «على» بدل «التي في».