روي عن قتادة والحسن : أنّ هذه الآية نسخت (١) بقوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة : ٥]. (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ)! ثق بالله ، (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
(وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ) ، يغدروا ويمكروا بك. قال مجاهد : يعني : بني قريظة ، (فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ) ، كافيك الله ، (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) ، أي : بالأنصار.
(وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) ، أي : بين الأوس والخزرج ، كانت بينهم إحن وتارات في الجاهلية فصيّرهم الله إخوانا بعد أن كانوا أعداء ، (لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤)) ، قال سعيد بن جبير : أسلم مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثلاثة وثلاثون رجلا وستّ نسوة ، ثم أسلم عمر بن الخطاب فتمّ به الأربعون ، فنزلت هذه الآية. واختلفوا في محل من ، فقال أكثر المفسّرين محلّه خفض ، عطفا على الكاف في قوله : (حَسْبَكَ اللهُ) ، [معناه : حسبك الله](٢) وحسب من اتبعك ، وقال بعضهم : هو رفع عطفا على اسم الله معناه : حسبك الله ومتبعوك من المؤمنين.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ) ، أي : حثّهم على القتال. (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ) ، رجلا (صابِرُونَ) ، محتسبون ، (يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) ، من عدوهم ويقهروهم ، (وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ) ، صابرة محتسبة ، (يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، ذلك (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) ، أي : لأن (٣) المشركين يقاتلون على غير احتساب ولا طلب ثواب ولا يثبتون إذا صدقتموهم القتال خشية أن يقتلوا ، وهذا خبر بمعنى الأمر ، وكان هذا يوم بدر فرض الله على الرجل الواحد من المؤمنين قتال عشرة من الكافرين ، فثقلت على المؤمنين ، فخفّف الله عنهم ، فنزل :
(الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٦٦) ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧))
(الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) ، أي : ضعفا في الواحد عن قتال العشرة وفي المائة عن قتال الألف ، (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) ، من الكفار ، (وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) ، فردّ من العشرة إلى الاثنين فإن كان المسلمون على الشطر من عدوّهم لا يجوز لهم أن يفرّوا. وقال سفيان : قال ابن شبرمة : وأرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل هذا. قرأ أهل الكوفة : (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ) ، بالياء فيهما ، [وقرأ أبو جعفر : «ضعفاء» بفتح العين والمد على الجمع وقرأ الآخرون بسكون العين](٤) ، وافق أهل البصرة في الأول والباقون بالتاء فيهما ، ثم قرأ عاصم وحمزة : «ضعفاء» بفتح الضاد هاهنا وفي سورة الروم ، والباقون بضمّها.
وقوله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى) ، قرأ أبو جعفر وأهل البصرة : تكون بالتاء
__________________
(١) في المطبوع «منسوخة».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «إن».
(٤) ما بين المعقوفتين في المطبوع وط عقب «عن قتال الألف».