حَكِيمٌ) ، قال عكرمة : فأغناهم الله عزوجل بأن أنزل عليهم المطر مدرارا فكثر خيرهم. وقال مقاتل : أسلم أهل جدّة وصنعاء وجرش (١) من اليمن وجلبوا الميرة الكثيرة إلى مكّة فكفاهم الله ما كانوا يخافون. وقال الضحاك وقتادة : عوّضهم الله منها الجزية فأغناهم بها.
(قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (٢٩))
[وذلك](٢) قوله تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) ، قال مجاهد : نزلت هذه الآية حين أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقتال الروم ، فغزا بعد نزولها غزوة تبوك. وقال الكلبي : نزلت في قريظة والنضير من اليهود ، فصالحهم وكانت أول جزية أصابها أهل الإسلام ، وأول ذلّ أصاب أهل الكتاب بأيدي المسلمين ، قال الله تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) ، فإن قيل : أهل الكتاب مؤمنون بالله واليوم الآخر؟ قيل : لا يؤمنون كإيمان المؤمنين ، فإنهم إذا قالوا عزير ابن الله والمسيح ابن الله ، لا يكون ذلك إيمانا بالله. (وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِ) ، أي : لا يدينون الدين الحق ، أضاف الاسم إلى الصفة. وقال قتادة : الحق هو الله ، أي : لا يدينون دين الله ، ودينه الإسلام. وقال أبو عبيدة : معناه ولا يطيعون الله تعالى طاعة أهل الحقّ. (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) ، يعني : اليهود والنصارى (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ) ، وهي : الخراج المضروب على رقابهم ، (عَنْ يَدٍ) ، عن قهر وذلّ. قال أبو عبيدة : يقال لكل من أعطى شيئا كرها من غير طيب نفس أعطاه عن يد. وقال ابن عباس : يعطونها بأيديهم ولا يرسلون بها على يد غيرهم. وقيل : عن يد أي نقد لا نسيئة. وقيل : عن إقرار بإنعام المسلمين عليهم بقبول الجزية منهم ، (وَهُمْ صاغِرُونَ) ، أذلّاء مقهورون. قال عكرمة : يعطون الجزية عن قيام ، والقابض جالس. وعن ابن عباس قال : تؤخذ منه ويوطأ عنقه. وقال الكلبي : إذا أعطى صفع في قفاه. وقيل : يؤخذ بلحيته ويضرب في لهزمتيه ، وقيل : يلبّب ويجر إلى موضع الإعطاء بعنف ، وقيل : إعطاؤه إيّاها هو الصغار. وقال الشافعي رحمهالله : الصغار هو جريان أحكام الإسلام عليهم ، واتفقت الأمة على جواز أخذ الجزية من أهل الكتابين ، وهم اليهود والنصارى إذا لم يكونوا عربا. واختلفوا في الكتابي العربي وفي غير أهل الكتاب من كفار العجم ، فذهب الشافعي إلى أنّ الجزية على الأديان لا على الأنساب ، فتؤخذ من أهل الكتاب عربا كانوا أو عجما ، ولا تؤخذ من أهل الأوثان بحال ، واحتجّ بأن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أخذها من أكيدر دومة ، وهو رجل من العرب يقال إنه من غسان ، [وأخذ من أهل ذمة اليمن وعامتهم عرب. وذهب مالك والأوزاعي إلى أنها تؤخذ من جميع الكفار إلا المرتد] وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : تؤخذ من أهل الكتاب على العموم وتؤخذ من مشركي العجم ولا تؤخذ من مشركي العرب. وقال أبو يوسف : لا تؤخذ من العربي كتابيا كان أو مشركا وتؤخذ من العجمي كتابيا كان أو مشركا ، وأما المجوس فاتّفقت الصحابة رضي الله عنهم على أخذ الجزية منهم.
[١٠٥٤] أخبرنا عبد الوهّاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا
__________________
[١٠٥٤] ـ إسناده صحيح ، الشافعي قد توبع هو ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
__________________
(١) في المخطوط «جريش».
(٢) زيادة عن المخطوط.