مستأنف الأيام ، واختلفوا في أول من نسأ النسيء.
فقال ابن عباس والضحاك وقتادة ومجاهد : أول من نسأ النسيء بنو مالك بن كنانة وكانوا ثلاثة : أبو ثمامة (١) جنادة بن عوف بن أمية الكناني. وقال الكلبي : أول من فعل ذلك رجل من بني كنانة يقال له نعيم بن ثعلبة ، وكان يقوم أميرا على الناس بالموسم فإذا هم الناس بالصدر قام فخطب الناس فقال : لا مردّ لما قضيت أنا الذي لا أعاب ولا أجاب ، فيقول له المشركون : لبّيك ، ثم يسألونه أن ينسأهم شهرا يغيرون فيه ، فيقول فإن صفر العام حرام فإذا قال ذلك حلّوا الأوتار ونزعوا الأسنة والأزجة ، وإن قال حلال عقدوا الأوتار وشدّوا الأزجة وأغاروا. وكان من بعدهم (٢) نعيم بن ثعلبة رجل يقال له جنادة بن عوف ، وهو الذي أدركه النبيّ صلىاللهعليهوسلم. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هو رجل من كنانة يقال له القلمس.
قال شاعرهم :
«وفينا ناسئ الشهر القلمس»
وكانوا لا يفعلون ذلك إلا في ذي الحجّة إذا اجتمعت العرب للموسم.
وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما : إن أول من سنّ النسيء عمرو بن لحيّ بن قمعة بن خندف.
[١٠٦٩] أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنبأنا عبد الغافر بن محمد أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج حدثني زهير بن حرب ثنا جرير عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أبا بني كعب ، وهو يجر قصبه في النار».
فهذا الذي ذكرنا هو النسيء الذي ذكره الله تعالى ، فقال : (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) ، يريد زيادة كفر على كفرهم ، (يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، قرأ حمزة والكسائي وحفص : «يضل» بضم الياء وفتح الضاد ؛ كقوله تعالى : (زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ) [التوبة : ٣٧] ، وقرأ يعقوب بضم الياء وكسر الضاد ، وهي قراءة الحسن ومجاهد على معنى (يُضَلُ) به الذين كفروا الناس ، وقرأ الآخرون : بفتح الياء وكسر الضاد لأنهم هم الضالّون ؛ لقوله : (يُحِلُّونَهُ) ، يعني : النسيء ، (عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا) ، أي : ليوافقوا ، والمواطأة الموافقة ، (عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ) ، يريد أنهم لم يحلّوا شهرا من الحرام إلا حرّموا مكانه شهرا من الحلال ، ولم يحرموا شهرا من الحلال إلا أحلوا مكانه شهرا من الحرام ، لئلا يكون الحرم أكثر من
__________________
[١٠٦٩] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم لأجل سهيل ، وباقي الإسناد على شرطهما.
جرير هو ابن عبد الحميد ، سهيل هو ابن ذكوان أبي صالح.
وهو في «صحيح مسلم» ٢٨٥٦ ح ٥٠ عن زهير بن حرب بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن أبي عاصم في «الأوائل» ٨٣ والطبري ١٢٨٢٠ من طريقين عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبي صالح به.
وانظر ما تقدم في سورة المائدة رقم ٨٤٦ و ٨٤٧.
__________________
(١) في المطبوع «أبو تمام» والمثبت عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «بعد» والمثبت عن المخطوط.