(فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) ، اعتمدنا ، ثم دعوا فقالوا : (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ، أي : لا تظهرهم علينا ولا تهلكنا بأيديهم ، فيظنّوا أنا لم نكن على الحق فيزدادوا طغيانا. وقال مجاهد : لا تعذّبنا بعذاب من عندك ، فيقول قوم فرعون : لو كانوا على الحق لما عذّبوا ويظنوا أنهم خير منّا فيفتتنوا.
(وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٨٦)).
قوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ) هارون ، (أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً) ، يقال : تبوّأ (١) فلان لنفسه بيتا ومضجعا إذا اتّخذه ، وتبوّأته (٢) أنا إذا اتخذته له ، (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) ، قال أكثر المفسّرين : كانت بنو إسرائيل لا يصلون إلا في كنائسهم وبيعهم ، وكانت ظاهرة ، فلما أرسل موسى أمر فرعون بتخريبها ومنعهم من الصلاة [فيها](٣) فأمروا أن يتّخذوا مساجدهم (٤) في بيوتهم ويصلوا فيها خوفا من فرعون ، وهذا قول إبراهيم وعكرمة عن ابن عباس. وقال مجاهد : خاف موسى ومن معه من فرعون أن يصلوا في الكنائس الجامعة ، فأمروا [أن يجعلوا](٥) في بيوتهم مساجد مستقبلة الكعبة ، يصلّون فيها سرّا [(وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً)](٦) ، معناه : واجعلوا وجوه بيوتكم إلى القبلة. وروى ابن جريج عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت الكعبة قبلة موسى ومن معه. (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) ، يا محمد.
قوله تعالى : (وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً) ، من متاع الدنيا ، (وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) ، اختلفوا في هذه اللام ، قيل : هي لام كي ، معناه : آتيتهم كي تفتنهم فيضلّوا ويضلّوا عن سبيلك ؛ كقوله : (لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً (١٦) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) [الجن : ١٦] ، وقيل : هي لام العاقبة يعني : فيضلوا ويكون (٧) عاقبة أمرهم الضلال ؛ كقوله : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨]. قوله : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) ، قال مجاهد : أهلكها ، والطمس : المحو (٨) ، [وقال أكثر المفسّرين : امسخها وغيّرها عن هيئتها](٩). وقال قتادة : صارت أموالهم وحروثهم وزروعهم وجواهرهم كلها حجارة. وقال محمد بن كعب : جعل سكرهم (١٠) حجارة ، وكان الرجل مع أهله في فراشه فصارا حجرين والمرأة قائمة تخبز فصارت حجرا ، [وكان الرجل كذلك](١١). قال ابن عباس رضي الله عنه : بلغنا أن الدراهم والدنانير صارت حجارة منقوشة كهيئتها صحاحا وأنصافا وأثلاثا. ودعا عمر بن عبد العزيز بخريطة فيها أشياء من بقايا آل فرعون فأخرج منها البيضة مشقوقة (١٢) والجوزة مشقوقة وإنها لحجر. قال السدي : مسخ الله أموالهم حجارة والنخيل والثمار والدقيق والأطعمة ، فكانت إحدى الآيات التسع. (وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) ، أي : أقسها (١٣) واطبع عليها حتى لا تلين ولا تنشرح للإيمان ، (فَلا يُؤْمِنُوا) ، قيل : هو نصب بجواب الدعاء بالفاء. وقيل : هو عطف على قوله :
__________________
(١) في المطبوع «بوّأ» والمثبت عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «بوّأته» والمثبت عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «مساجد» والمثبت عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) في المطبوع «ليضلوا فيكون» والمثبت عن المخطوط وط.
(٨) في ط «المحق».
(٩) زيادة عن المخطوط.
(١٠) في المطبوع «صورهم» والمثبت عن المخطوط و «تفسير الطبري».
(١١) زيادة عن المخطوط.
(١٢) في المطبوع «منقوشة» والمثبت عن المخطوط.
(١٣) في المطبوع «اقسمها» والمثبت عن المخطوط وط.