(لِيُضِلُّوا) ، أي : ليضلّوا فلا يؤمنوا. وقال الفراء : هو دعاء محله جزم ، فكأنه قال : اللهمّ فلا يؤمنوا ، (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) ، وهو الغرق. قال السدي : معناه أمتهم على الكفر.
(قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨٩) وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠))
(قالَ) الله تعالى لموسى وهارون : (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما) ، إنما نسب إليهما ، والدعاء كان من موسى لأنه روي أن موسى كان يدعو وهارون يؤمن ، والتأمين دعاء (١). وفي بعض القصص : كان بين دعاء موسى وإجابته أربعون سنة. (فَاسْتَقِيما) ، على الرسالة والدعوة وامضيا لأمري إلى أن يأتيهم العذاب ، (وَلا تَتَّبِعانِ) ، نهي بالنون الثقيلة ، ومحله جزم ، يقال في الواحد : لا تتبعنّ بفتح النون لالتقاء الساكنين وبكسر النون في التثنية لهذه العلّة. وقرأ ابن عامر (٢) بتخفيف النون. [وقد اختلفت الروايات عنه فيه ، فبعضهم روى عنه (تَتَّبِعانِ) بتخفيف التاء الثانية وفتح الباء وتشديد النون. وبعضهم روى عنه (تَتَّبِعانِ) بتشديد التاء الثانية وكسر الباء وتخفيف النون ، وبعضهم روى عنه كقراء الجماعة. والوجه في تخفيف النون](٣) إن نون التأكيد تثقل وتخفف. (سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) ، يعني : ولا تسلكا سبيل الذين يجهلون حقيقة وعدي ، فإن وعدي لا خلف فيه ، ووعيدي نازل بفرعون وقومه.
(وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ) ، عبرنا بهم (فَأَتْبَعَهُمْ) لحقهم وأدركهم ، (فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ) ، يقال : أتبعه وتبعه إذا أدركه ولحقه ، واتّبعه بالتشديد إذا سار خلفه واقتدى به. وقيل : هما واحد. (بَغْياً وَعَدْواً) ، أي : ظلما واعتداء. وقيل : بغيا في القول وعدوا في الفعل. وكان البحر قد انفلق لموسى وقومه ، فلما وصل فرعون بجنوده إلى البحر هابوا دخوله فتقدّمهم جبريل على فرس وديق وخاض البحر ، فاقتحمت الخيول خلفه ، فلما دخل آخرهم وهمّ أولهم أن يخرج [من البحر](٤) انطبق عليهم الماء.
وقوله تعالى : (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ) ، أي : غمره الماء وقرب هلاكه ، (قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ) ، قرأ حمزة والكسائي «إنه» بكسر الألف ، أي : آمنت وقلت إنه. وقرأ الآخرون أنه بالفتح على وقوع آمنت عليها.
[وإضمار حرف الجر ، أي : آمنت بأنّه ، فحذف الباء ، وأوصل الفعل بنفسه ، فهو في موضع النصب](٥) ، (لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ، فدسّ جبريل في فيه من حمأة البحر. وقال :
(آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (٩٢) وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٩٣))
(آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١) ).
__________________
(١) زيد في المخطوط «على الرسالة والدعوة».
(٢) في المخطوط «ابن عباس».
(٣) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع.