حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٩٧) فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (٩٨))
قوله تعالى : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) ، يعني : القرآن (فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) ، فيخبرونك أنك مكتوب عندهم في التوراة. قيل : هذا خطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم والمراد به غيره على عادة العرب فإنهم يخاطبون الرجل ويريدون به غيره ؛ كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ) [الأحزاب : ١] ، خاطب النبيّ صلىاللهعليهوسلم (١) والمراد به المؤمنون بدليل أنه قال : (إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) [النساء : ٩٤] ، ولم يقل بما تعمل ، وقال : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) [الطلاق : ١] ، وقيل : كان الناس على عهد النبيّ صلىاللهعليهوسلم بين مصدّق ومكذّب وشاك فهذا الخطاب مع أهل الشك معناه : إن كنت أيها الإنسان في شك ، مما أنزلنا إليك من الهدى على لسان رسولنا محمد [صلىاللهعليهوسلم] ، فاسئل الذين يقرءون الكتاب من قبلك. قال ابن عباس ومجاهد والضحاك : يعني من آمن من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه ، فسيشهدون على صدق محمد صلىاللهعليهوسلم ويخبرونك بنبوّته. قال الفراء : علم الله سبحانه وتعالى أن رسوله غير شاكّ ، لكنه ذكره على عادة العرب يقول الواحد منهم لعبده : إن كنت عبدي فأطعني ، ويقول لولده : افعل كذا وكذا إن كنت ابني ، ولا يكون بذلك على وجه الشك. (لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ) ، من الشاكّين.
(وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ(٩٥)) ، وهذا كله خطاب مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم والمراد منه غيره.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ) ، وجبت عليهم ، (كَلِمَتُ رَبِّكَ) ، قيل : لعنته. وقال قتادة : سخطه. وقيل : الكلمة هي قوله : «هؤلاء في النار ولا أبالي»! (لا يُؤْمِنُونَ).
(وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ) ، دلالة ، (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) ، قال الأخفش : أنّث (٢) فعل كل لأنه مضاف إلى المؤنث وهي قوله : آية ، ولفظ كل للمذكر والمؤنث سواء.
قوله تعالى : (فَلَوْ لا كانَتْ) ، [أي](٣) : فهلّا كانت ، (قَرْيَةٌ) ، ومعناها (٤) : فلم تكن قرية لأن في الاستفهام ضربا من الجحد ، أي : أهل قرية ، (آمَنَتْ) ، عند معاينة العذاب ، (فَنَفَعَها إِيمانُها) ، في حال اليأس ، (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) ، فإنهم نفعهم إيمانهم في ذلك الوقت ، (قَوْمَ) نصب على الاستثناء المنقطع ، تقديره : ولكن قوم يونس ، (لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) ، وهو وقت انقضاء آجالهم واختلفوا في أنهم هل رأوا العذاب عيانا أم لا؟ فقال بعضهم : رأوا دليل العذاب؟ والأكثرون على أنهم رأوا العذاب عيانا [بدليل] قوله : (كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ) ، والكشف يكون بعد الوقوع أو إذا قرب.
وقصة الآية على ما ذكره عبد الله بن مسعود وسعيد بن جبير ووهب وغيرهم : أن قوم يونس كانوا بنينوى (٥) من أرض الموصل فأرسل الله إليهم يونس يدعوهم إلى الإيمان فدعاهم فأبوا ، فقيل له : أخبرهم
__________________
(١) في المطبوع «للنبي» والمثبت عن المخطوط وط.
(٢) في المطبوع «أنت» والمثبت عن المخطوط وط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «معناه» والمثبت عن المخطوط.
(٥) في المخطوط «يبنون في» والمثبت عن ط و «الدر المنثور» (٣ / ٥٧٢)