أن العذاب مصبحهم إلى ثلاث ، فأخبرهم بذلك ، فقالوا : إنّا لم نجرب عليه كذبا فانظروا فإن بات فيكم تلك الليلة فليس بشيء ، وإن لم يبت فاعلموا أن العذاب مصبحكم [لا محالة](١) ، فلما كان في جوف تلك الليلة خرج يونس من بين أظهرهم فلما أصبحوا تغشاهم العذاب فكان فوق رءوسهم قدر ميل.
وقال وهب : غامت السماء غيما أسود هائلا يدخن دخانا شديدا فهبط حتى غشي مدينتهم واسودّت سطوحهم ، فلما رأوا ذلك أيقنوا بالهلاك ، فطلبوا يونس بينهم (٢) فلم يجدوه ، وقذف الله في قلوبهم التوبة فخرجوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابّهم ، ولبسوا المسوح وأظهروا الإيمان والتوبة ، وأخلصوا النيّة وفرّقوا بين كل والدة وولدها من الناس والأنعام فحن بعضها إلى بعض ، وعلت الأصوات (٣) واختلطت أصواتها بأصواتهم ، وعجّوا وتضرّعوا إلى الله عزوجل ، وقالوا : آمنا بما جاء به يونس ، فرحمهم ربهم فاستجاب دعاءهم وكشف عنهم العذاب بعد ما أظلّهم ، وذلك يوم عاشوراء وكان يونس قد خرج فأقام ينتظر العذاب وهلاك قومه ، فلم ير شيئا [وكان الكذب أفحش شيء عندهم](٤) ، وكان من كذّب ولم يكن له بينة قتل ، فقال يونس : كيف أرجع إلى قومي وقد كذبتهم؟ فانطلق عاتبا على ربّه مغاضبا لقومه فأتى البحر فإذا قوم يركبون سفينة فعرفوه فحملوه بغير أجر ، فلما دخلها وتوسّطت بهم ولججت ، وقفت السفينة لا ترجع ولا تتقدم ، قال أهل السفينة : إن لسفينتنا لشأنا ، قال يونس : قد عرفت شأنها ركبها رجل ذو خطيئة عظيمة ، قالوا : ومن هو؟ قال : أنا اقذفوني في البحر ، قالوا : ما كنّا لنطرحك من بيننا حتى نعذر في شأنك ، فاستهموا فاقترعوا ثلاث مرات فأدحض (٥) سهمه ، والحوت عند رجل السفينة فاغرا فاه ينتظر أمر ربّه فيه ، فقال يونس : إنكم والله لتهلكنّ جميعا أو لتطرحنني فيه ، فقذفوه فيه وانطلقوا وأخذه الحوت.
وروي : أن الله تعالى أوحى إلى حوت عظيم حتى قصد السفينة ، فلما رآه أهل السفينة مثل الجبل العظيم وقد فغر فاه ينظر إلى من في السفينة كأنه يطلب شيئا خافوا منه ، ولما رآه يونس زجّ نفسه في الماء.
وعن ابن عباس : أنه خرج مغاضبا لقومه فأتى بحر الروم فإذا سفينة مشحونة (٦) ، فركبها فلما لججت السفينة ، تكفّأت (٧) حتى كادوا أن يغرقوا ، فقال الملاحون : هاهنا رجل عاص أو عبد آبق [من سيده] وهكذا رسم السفينة إذا كان فيها آبق لا تجري ، ومن رسمنا أن نقترع في مثل هذا فمن وقعت عليه القرعة ألقيناه في البحر ، ولأن يغرق واحد خير من أن تغرق السفينة بما فيها ، فاقترعوا ثلاث مرات فوقعت القرعة في كلها على يونس. فقال يونس : أنا الرجل العاصي والعبد الآبق ، فألقى نفسه في الماء فابتلعه حوت ، ثم جاء حوت آخر أكبر منه وابتلع هذا الحوت ، وأوحى الله إلى الحوت [أن](٨) لا تؤذي منه شعرة فإني جعلت بطنك سجنه ولم أجعله طعاما لك.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نودي [الحوت](٩) إنّا لم نجعل يونس لك قوتا ، وإنما جعلنا بطنك له حرزا ومسجدا.
وروي : أنه قام قبل القرعة فقال : أنا العبد العاصي والآبق ، قالوا : من أنت؟ قال : أنا يونس بن
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «نبيهم» والمثبت عن المخطوط.
(٣) في المخطوط «أصواتهم».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «فأحض» والمثبت عن المخطوط وط.
(٦) في المخطوط «مسحوبة».
(٧) في المخطوط «تشكلت».
(٨) زيادة عن المخطوط.
(٩) زيادة عن المخطوط.