ذراعا وطولها في السماء ثلاثون ذراعا ، وكانت من خشب الساج وجعل لها ثلاثة بطون ، فجعل (١) في البطن الأسفل الوحوش والسباع والهوام ، و [جعل](٢) في البطن الأوسط الدواب والأنعام ، وركب هو ومن معه في البطن الأعلى مع ما يحتاج إليه من الزاد. قال قتادة : كان بابها في عرضها.
وروي عن الحسن : كان طولها ألفا ومائتي ذراع وعرضها ستمائة ذراع. والمعروف هو الأول أن طولها ثلاثمائة ذراع. وعن زيد بن أسلم قال : مكث نوح عليهالسلام مائة سنة يغرس الأشجار ويقطعها ، ومائة سنة يعمل الفلك. وقيل : غرس الشجر أربعين سنة وجففه أربعين سنة. وعن كعب الأحبار أن نوحا عمل السفينة في ثلاثين سنة ، وروي أنها كانت ثلاث طبقات ، الطبقة السفلى للدواب والوحوش ، والطبقة الوسطى فيها الإنس ، والطبقة العليا فيها الطير ، فلما كثرت أرواث الدواب شكا ذلك إلى الله عزوجل فأوحى الله إلى نوح أن اغمز ذنب الفيل فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة ، فأقبلا على الروث فأكلاه ، فلما وقع الفار بجوف (٣) السفينة فجعل يقرضها ويقرض حبالها ، أوحى الله تعالى إليه أن اضرب بين عيني الأسد فضرب فخرج من منخره سنور وسنورة ، فأقبلا على الفار فأكلاه (١).
قوله تعالى : (وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ) ، وذلك أنهم كانوا يقولون : إن هذا الذي يزعم أنه نبي قد صار نجارا. وروي أنهم كانوا يقولون له : يا نوح ما ذا تصنع؟ فيقول : أصنع بيتا يمشي على الماء ، فيضحكون منه ، (قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ) ، إذا عاينتم عذاب الله ، (كَما تَسْخَرُونَ) ، فإن قيل : كيف تجوز السخرية من النبيّ؟ قيل : هذا على ازدواج الكلام ، يعني : إن تستجهلوني فإني أستجهلكم إذا نزل العذاب بكم. وقيل : معناه إن تسخروا منّا فسترون عاقبة سخريتكم.
(فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٩) حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (٤٠))
(فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ) ، يهينه ، (وَيَحِلُّ عَلَيْهِ) ، يجب عليه ، (عَذابٌ مُقِيمٌ) ، دائم.
(حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا) ، عذابنا ، (وَفارَ التَّنُّورُ) ، اختلفوا في التنور ، قال عكرمة والزهري : هو وجه الأرض ، وذلك أنه قيل لنوح : إذا رأيت الماء فار على وجه الأرض فاركب السفينة. وروي عن علي رضي الله عنه أنّه قال : فار التنور أي : طلع الفجر ونور الصبح. وقال الحسن ومجاهد والشعبي : إنه التنور الذي يخبز فيه ، وهو قول أكثر المفسّرين.
ورواية عطية عن ابن عباس قال الحسن : كان تنورا من حجارة ، كانت حواء تخبز فيه فصار إلى نوح عليهالسلام ، فقيل لنوح : إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب السفينة أنت وأصحابك. واختلفوا في موضعه ، قال مجاهد والشعبي : كان في ناحية الكوفة. وكان الشعبي يحلف : ما فار التنور إلّا من ناحية
__________________
(١) هذا الأثر وأمثاله من الإسرائيليات.
__________________
(١) في المطبوع «فحمل».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المخطوط «يخرب» وعند الطبري «يجزر».