عبادة غيره من سالف ذنوبكم ، (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) ، أي : يرسل المطر متتابعا مرة بعد أخرى في أوقات الحاجة ، (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ) ، أي : شدّة مع شدّتكم. وذلك أن الله عزوجل حبس عنهم القطر ثلاث سنين وأعقم أرحام نسائهم فلم يلدن ، فقال لهم هود عليهالسلام : إن آمنتم [بالله وحده وصدقتموني](١) أرسل الله عليكم المطر فتزدادون مالا ويعيد أرحام الأمهات إلى ما كانت ، فيلدن فتزدادون قوة بالأموال والأولاد. وقيل : تزدادون قوة في الدين إلى قوة في البدن. (وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) ، أي : لا تدبروا مشركين.
(قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ) ، أي : ببرهان وحجة واضحة على ما تقول ، (وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ) ، أي : بقولك ، (وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) ، بمصدّقين.
(إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) ، يعني : لست تتعاطى ما نتعاطاه من مخالفتنا وسبّ آلهتنا إلّا أن بعض آلهتنا اعتراك ، أي : أصابك بسوء بخبل وجنون ، وذلك أنك سببت آلهتنا فانتقموا منك بالتخبيل لا نحمل أمرك إلا على هذا ، (قالَ) لهم هود : (إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ) ، على نفسي ، (وَاشْهَدُوا) يا قوم (أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ).
(مِنْ دُونِهِ) ، يعني : الأوثان ، (فَكِيدُونِي جَمِيعاً) ، فاحتلوا في مكري (٢) وضرّي أنتم وأوثانكم ، (ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ) ، [لا تؤخّرون ولا تمهلون](٣).
(إِنِّي تَوَكَّلْتُ) أي : اعتمدت ، (عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) ، قال الضحاك : يحييها ويميتها (٤). قال الفراء : مالكها والقادر عليها. [وقال بعض العلماء : آخذ بناصيتها لا تتوجّه إلّا حيث يلهمها](٥). وقال القتيبي : يقهرها ، لأن من أخذت بناصيته فقد قهرته. وقيل : إنما خصّ الناصية بالذكر لأن العرب تستعمل ذلك إذا وصفت إنسانا بالذلة ، فتقول : ناصية فلان بيد فلان ، وكانوا إذا أسروا إنسانا وأرادوا إطلاقه والمنّ عليه جزّوا ناصيته ليعتدّوا (٦) بذلك فخرا عليه ، فخاطبهم الله بما يعرفون. (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ، يعني : إن ربي وإن كان قادرا عليهم فإنه لا يظلمهم ولا يعمل إلّا بالإحسان والعدل ، فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بعصيانه. وقيل : معناه إن دين ربي صراط مستقيم. وقيل : فيه إضمار ، أي : إن ربي يحثّكم ويحملكم على صراط مستقيم.
(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٥٧) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٨) وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (٥٩))
(فَإِنْ تَوَلَّوْا) ، أي : تتولّوا ، يعني : تعرضوا عمّا دعوتكم إليه ، (فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ) ، أي : إن أعرضتم يهلككم الله عزوجل ويستبدل قوما غيركم أطوع منكم يوحّدونه ويعبدونه ، (وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) ، بتولّيكم وإعراضكم إنما تضرّون أنفسكم. وقيل : لا تنقصونه شيئا إذا أهلككم لأن وجودكم وعدمكم عنده سواء ، (إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) ، أي : لكل شيء
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «مكركم».
(٣) زيد في المطبوع وط.
(٤) في المطبوع «محييها ومميتها».
(٥) زيد في المطبوع وحده.
(٦) في المخطوطتين «يعتقدوا».