اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨) وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (٨٩))
(بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما أبقى الله لكم من الحلال بعد إيفاء الكيل والوزن خير مما تأخذونه بالتطفيف. وقال مجاهد : (بَقِيَّتُ اللهِ) ، أي : طاعة الله (خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ، أن ما عندكم من رزق الله وعطائه. (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) ، بوكيل. وقيل : إنما قال ذلك لأنه لم يؤمر بقتالهم.
(قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا) ، من الأوثان. قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان شعيب عليهالسلام كثير الصلاة ، لذلك قالوا هذا. وقال الأعمش : يعني أقراءتك. (أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا) ، أو أن نترك أن نفعل في أموالنا ما نشاء من الزيادة والنقصان. وقيل : كان شعيب عليهالسلام قد نهاهم عن قطع الدنانير والدراهم ، زعم أنه محرم عليهم فقالوا : أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء من قطعها. (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : أرادوا السفيه الغاوي ، والعرب تصف الشيء بضدّه فتقول : للديغ سليم وللفلاة مفازة. وقيل : قالوه على وجه الاستهزاء. وقيل : معناه الحليم الرشيد بزعمك. وقيل : هو على الصحة أي إنك يا شعيب فينا حليم رشيد لا يجمل (١) بك شق عصا قومك ومخالفة دينهم ، وهذا كما قال قوم صالح عليهالسلام : (قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا) [هود : ٨٢].
(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ) ، بصيرة وبيان ، (مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً) ، حلالا. وقيل : كثيرا. كان شعيب عليهالسلام كثير المال. وقيل : الرزق الحسن : العلم والمعرفة. (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) ، أي : ما أريد أن أنهاكم عن شيء ثم أرتكبه. (إِنْ أُرِيدُ) ، ما أريد فيما آمركم به وأنهاكم عنه ، (إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ) ، والتوفيق [خلق قدرة الطاعة في العبد](٢) وتسهيل سبيل الخير والطاعة ، (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) ، اعتمدت ، (وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) ، أرجع فيما ينزل بي من النوائب. وقيل : في المعاد.
(وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ) ، لا يحملنّكم ، (شِقاقِي) ، خلافي (أَنْ يُصِيبَكُمْ) ، أي : على فعل ما أنهاكم عنه [فيصيبكم](٣) ، (مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ) ، من الغرق ، (أَوْ قَوْمَ هُودٍ) ، من الريح ، (أَوْ قَوْمَ صالِحٍ) ، من الصّيحة ، (وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) ، وذلك أنهم كانوا حديثي عهد بهلاك قوم لوط.
وقيل : معناه وما دار قوم لوط منكم ببعيد ، وذلك أنهم كانوا جيران قوم لوط.
(وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (٩٠) قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (٩١) قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٩٢) وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (٩٣))
__________________
(١) في المطبوع «يحمل» وفي المخطوط «يمكن» والمثبت عن ط.
(٢) زيادة عن المخطوطتين.
(٣) زيادة عن المخطوط.