(مُبِينٍ اقْتُلُوا) بكسر التنوين](١). (أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً) ، أي : إلى أرض تبعد عن أبيه. وقيل : في أرض تأكله السباع ، (يَخْلُ لَكُمْ) ، يخلص لكم ويصف لكم ، (وَجْهُ أَبِيكُمْ) ، عن شغله بيوسف ، (وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ) ، من بعد قتل يوسف ، (قَوْماً صالِحِينَ) ، تائبين ، أي : توبوا بعد ما فعلتم [معه](٢) هذا يعف الله عنكم [جرمكم](٣). وقال مقاتل : صالحين : يصلح أمركم فيما بينكم وبين أبيكم.
(قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (١٠) قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (١١))
(قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ) ، هو يهوذا ، وقال قتادة : روبيل ، وكان ابن خالة يوسف ، وكان أكبرهم سنا وأحسنهم رأيا [فيه]. والأول أصح ، نهاهم عن قتله وقال : القتل كبيرة عظيمة. (وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ) ، قرأ أبو علي جعفر ونافع (غيابات الجب) [على] الجمع ، وقرأ الباقون (غيابت) الجب على الواحد ، أي : في أسفل الجب وظلمته والغيابة كل موضع ستر عنك الشيء وغيّبه والجب البئر غير المطوية لأنه جب ، أي : قطع ولم يطو (يَلْتَقِطْهُ) ، يأخذه ، والالتقاط أخذ الشيء من حيث لا يحتسبه الإنسان ، (بَعْضُ السَّيَّارَةِ) ، أي : بعض المسافرين فيذهب به إلى ناحية أخرى [من نواحي الأرض](٤) فتستريحوا منه ، (إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) ، أي : إن عزمتم على فعلكم وهم كانوا يومئذ بالغين ولم يكونوا أنبياء بعد.
وقيل : لم يكونوا بالغين وليس بصحيح بدليل أنهم قالوا : (وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ) ، (قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا) [يوسف : ٩٧] ، والصغير لا ذنب له.
وقال محمد بن إسحاق : اشتمل فعلهم على جرائم من قطيعة الرحم وعقوق الوالدين وقلة الرأفة بالصغير الذي لا ذنب له ، والغدر بالأمانة وترك العهد والكذب مع أبيهم ، وعفا الله عنهم ذلك كله حتى لا ييأس أحد من رحمة الله. وقال بعض أهل العلم : إنهم عزموا على قتله وعصمهم الله رحمة بهم ، ولو فعلوا لهلكوا أجمعون ، وكل ذلك كان قبل أن نبأهم (٥) الله تعالى.
وسئل أبو عمرو بن العلاء : كيف قالوا (نَلْعَبُ) وهم أنبياء؟ قال : كان ذلك قبل أن نبّأهم الله تعالى ، فلما أجمعوا على التفريق بينه وبين والده بضروب من الحيل. (قالُوا) ليعقوب ، (يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى) ، قرأ أبو جعفر : (تَأْمَنَّا) بلا شمّة ، [وهو رواية عن نافع ، وقرأ الباقون : (تَأْمَنَّا) بإشمام الضمة في النون الأولى المدغمة ، وهو إشارة إلى الضمة من غير إمحاض ليعلم أن أصله لا تأمننا بنونين على تفعلنا ، فأدغمت النون الأولى في الثانية](٦) ، بدءوا بالإنكار عليه في ترك إرساله معهم كأنهم قالوا : إنك لا ترسله معنا أتخافنا عليه؟ (وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ) ، قال مقاتل : في الكلام تقديم وتأخير وذلك أنهم قالوا لأبيهم : (أَرْسِلْهُ مَعَنا) ، فقال أبوهم : إني ليحزنني أن تذهبوا به ، فحينئذ قالوا : (يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ) ، النصح هاهنا القيام بالمصلحة. وقيل : البرّ والعطف ، [معناه : و](٧) إنا عاطفون عليه قائمون بمصلحته نحفظه حتى نردّه إليك.
__________________
(١) سقط من المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «أنبأهم».
(٦) ما بين الحاصرتين زيد في المطبوع وط.
(٧) زيادة عن المخطوط.