(أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (١٢) قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (١٣) قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ (١٤) فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٥))
(أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً) ، إلى الصحراء ، (يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) ، قرأ أبو عمرو وابن عامر بالنون فيهما وجزم العين في نرتع ، وقرأ يعقوب : (يَرْتَعْ) بالنون ، (وَيَلْعَبْ) بالياء ، وقرأ أهل الكوفة بالياء فيهما وجزم العين في (يَرْتَعْ) يعني يوسف ، وقرأ الآخرون نرتع النون (وَيَلْعَبْ) بالياء ، والرتع هو الاتّساع في الملاذ. يقال : رتع فلان في ماله إذا أنفقه في شهواته. [يريد ينعم ويأكل ويلهو ويبسط](١). وقرأ أهل الحجاز : (يَرْتَعْ) بكسر العين وهو يفتعل من الرعي ، ثم ابن كثير قرأ بالنون فيهما أي : نتحارس ويحفظ بعضنا بعضا. وقرأ أبو جعفر ونافع بالياء إخبارا عن يوسف ، أي : يرعى الماشية كما نرعى نحن. (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).
(قالَ) لهم يعقوب : (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ) ، أي : ذهابكم به ، والحزن هاهنا : ألم القلب بفراق المحبوب ، (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ) ، وذلك أن يعقوب كان رأى في المنام كأن (٢) ذئبا شدّ على يوسف ، فكان يخاف من ذلك ، فمن ثم قال : [أخاف أن يأكله الذئب. قرأ ابن كثير وإسماعيل وقالون عن نافع وعاصم وابن عامر : (الذِّئْبُ) بالهمزة ، وكذلك أبو عمرو إذا لم يدرج ، وحمزة إذا لم يقف ، وقرأ الكسائي وورش عن نافع ، وأبو عمرو وفي الدرج ، وحمزة في الوقف ، (الذِّئْبُ) بترك الهمزة في الهمز ، أنه هو الأصل لأنه من قولهم : تذأبت الريح إذا جاءت من كل وجه ، ويجمع الذئب أذؤبا وذئابا بالهمز ، والوجه في ترك الهمز أن الهمزة خففت فقلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها](٣).
(قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) ، عشرة ، (إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ) ، عجزة ضعفاء.
(فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا) ، أي : عزموا ، (أَنْ يَجْعَلُوهُ) يلقوه ، (فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) ، هذه الواو زائدة تقديره : أوحينا إليه ؛ كقوله تعالى : (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنادَيْناهُ) [الصافات : ١٠٣ ـ ١٠٤] ، أي : ناديناه ، (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) ، أي : أوحينا إلى يوسف عليهالسلام لتصدقنّ رؤياك ولتخبرنّ إخوتك بصنيعهم هذا وهم لا يشعرون بوحي الله وإعلامه إيّاه ذلك ، قاله مجاهد. وقيل : معناه : وهم لا يشعرون يوم تخبرهم أنك يوسف ، وذلك حين دخلوا عليه فعرفهم وهم [له](٤) منكرون ، وذكر وهب وغيره أنهم أخذوا يوسف عليهالسلام بغاية الإكرام وجعلوا يحملونه ، فلما برزوا إلى البرية ألقوه [وطرحوه](٥) وجعلوا يضربونه ، فإذا ضربه واحد منهم استغاث بالآخر فضربه الآخر ، فجعل لا يرى منهم رحيما فضربوه حتى كادوا يقتلونه وهو يصيح يا أبتاه لو تعلم ما يصنع بابنك بنو الإماء ، فلما كادوا أن يقتلوه قال لهم يهوذا : أليس قد أعطيتموني موثقا أن لا تقتلوه ، فانطلقوا به إلى
__________________
(١) ما بين المعقوفتين في المطبوع وط «يريد ونتنعم ونأكل ونشرب ونلهو وننشط» ولو كان كعبارة المطبوع لكان الصواب في «يريد يريدون» والله أعلم.
(٢) في المطبوع «أن».
(٣) زيد في المطبوع وط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.