الجبّ ليطرحوه فيه ، وكان ابن اثنتي عشرة سنة. وقيل : ثماني عشرة سنة ، فجاءوا به إلى بئر على غير الطريق واسعة الأسفل ضيّقة الرأس. قال مقاتل : على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب عليهالسلام. قال كسعب : بين مدين ومصر. وقال وهب : بأرض الأردن. وقال قتادة : هي بئر بيت المقدس فجعلوا يدلّونه في البئر فيتعلق بشفير البئر فربطوا يديه ونزعوا قميصه فقال : يا إخوتاه ردّوا عليّ القميص أتوارى به في الجبّ ، فقالوا : ادع الشمس والقمر والكواكب تواريك ، قال : إني لم أر شيئا ، فألقوه فيها. وقيل : جعلوه في دلو وأرسلوه فيها حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يموت فكان في البئر ماء فسقط فيه ، ثم أوى إلى صخرة فيها فقام عليها. وقيل : إنهم لمّا ألقوه فيها جعل يبكي فنادوه فظنّ أن رحمة أدركتهم ، فأجابهم فأرادوا أن يرضخوه بصخرة ليقتلوه ، فمنعهم يهوذا وكان يهوذا يأتيه بالطعام ، وبقي فيها ثلاث ليال ، (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا). والأكثرون على أن الله تعالى أوحى إليه بهذا وبعث إليه جبريل عليهالسلام يؤنسه ويبشّره بالخروج ، ويخبره أنه ينبئهم بما فعلوه ويجازيهم عليه وهم لا يشعرون. وقال ابن عباس رضي الله عنهما : ثم إنهم ذبحوا سخلة وجعلوا دمها على قميص يوسف عليهالسلام.
(وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (١٦) قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (١٧) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١٨))
(وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (١٦)) ، قال أهل المعاني : جاءوا في ظلمة العشاء ليكونوا أجرأ على الاعتذار بالكذب. وروي أن يعقوب عليهالسلام سمع صياحهم وعويلهم فخرج ، وقال : ما لكم يا بني هل أصابكم في غنمكم شيء؟ قالوا : لا ، قال : فما أصابكم وأين يوسف؟؟ (قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ) ، أي : نترامى وننتضل ، وقال السدي : نشتد على أقدامنا.
(وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا) ، أي : عند ثيابنا وأقمشتنا. (فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) ، بمصدّق لنا ، (وَلَوْ كُنَّا) ، وإن كنّا ، (صادِقِينَ) ، فإن قيل : كيف قالوا ليعقوب أنت لا تصدق الصادق؟ قيل : معناه إنك تتهمنا في هذا الأمر لأنك خفتنا عليه في الابتداء واتّهمتنا في حقّه. وقيل : معناه لا تصدقنا لأنه لا دليل [لنا](١) على صدقنا وإن كنّا صادقين عند الله.
(وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ) ، أي : بدم [هو](٢) كذب لأنه لم يكن دم يوسف. وقيل : بدم مكذوب فيه ، فوضع المصدر موضع الاسم. وفي القصة : إنهم لطخوا القميص بالدم ولم يشقوه ، فقال يعقوب عليهالسلام : كيف أكله الذئب ولم يشق قميصه فاتّهمهم ، (قالَ بَلْ سَوَّلَتْ) ، زيّنت ، (لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) ، معناه : فأمري صبر جميل أو فعلي صبر جميل. وقيل : فصبر جميل أختاره. والصبر الجميل الذي لا شكوى فيه ولا جزع. (وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) ، أي : أستعين بالله على الصبر ، على ما تكذبون. وفي القصة : أنّهم جاءوا بذئب وقالوا هذا الذي أكله ، فقال له يعقوب : يا ذئب أنت أكلت ولدي وثمرة فؤادي ، فأنطقه الله عزوجل فقال : تالله ما رأيت وجه ابنك قط. قال : كيف وقعت
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.