بأرض كنعان؟ قال : جئت لصلة قرابة فصادني هؤلاء ، فمكث يوسف في البئر ثلاثة أيام (١).
(وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٩))
(وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ) ، وهم القوم المسافرون سمّوا سيارة لأنهم يسيرون في الأرض كانت رفقة من مدين تريد مصر ، فأخطئوا الطريق فنزلوا قريبا من الجبّ ، وكان الجب في قفر بعيد من العمران للرعاة والمارّة ، وكان ماؤه ملحا فعذب حين ألقي يوسف عليهالسلام فيه ، فلما نزلوا أرسلوا رجلا من أهل مدين يقال له مالك بن ذعر ، لطلب الماء فذلك قوله عزوجل : (فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ) ، والوارد الذي يتقدّم الرفقة إلى الماء فيهيّئ الأرشية والدلاء ، (فَأَدْلى دَلْوَهُ) ، أي : أرسلها في البئر ، يقال : أدليت الدلو إذا أرسلتها في البئر ، ودلوتها إذا أخرجتها ، فتعلق يوسف بالحبل فلما خرج إذا هو بغلام أحسن ما يكون.
[١١٨٠] قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «أعطي يوسف شطر الحسن».
ويقال : إنه ورث ذلك الجمال من جدّته سارة ، وكانت قد أعطيت سدس الحسن. قال ابن إسحاق : ذهب يوسف وأمه بثلثي الحسن فلما رآه مالك بن ذعر ، (قالَ يا بُشْرى) ، قرأ الأكثرون هكذا بالألف وفتح الياء ، [والوجه أن بشراي مضافة إلى ياء المتكلّم وهو منادى مضاف فموضعه نصب ، وقرأ أهل الكوفة : يبشر بغير ياء الإضافة على فعل ، وأمال الراء حمزة والكسائي وفتحها عاصم والوجه في إفرادها عن ياء المتكلّم هو أن بشرى نكرة هاهنا فنادها كما تنادي النكرات نحو قولك : يا راجلا ويا راكبا إذا جعلت النداء شائعا فيكون موضعه نصبا مع التنوين إلّا أن فعلى لا سبيل إليها للتنوين ، ويجوز أن تكون بشرى منادى تعرف بالقصد نحو يا رجل](١) ، يريد نادى المستقي رجلا من أصحابه اسمه بشراي فتكون بشرى في موضع رفع. وقيل : بشّر المستقي أصحابه يقول : أبشروا ، (هذا غُلامٌ) ، وروى ابن مجاهد عن أبيه : أن جدران البئر كانت تبكي على يوسف حين أخرج منها. (وَأَسَرُّوهُ) ، أخفوه ، (بِضاعَةً) ، قال مجاهد : أسره مالك بن ذعر وأصحابه من التجار الذين معهم وقالوا هو بضاعة استبضعناها (٢) بعض أهل الماء (٣) إلى مصر خيفة أن يطلبوا منهم فيه المشاركة. وقيل : أراد أن إخوة يوسف أسروا شأن يوسف وقالوا هو عبد لنا أبق منّا. قال الله تعالى : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ) ، فأتى يهوذا يوسف بالطعام [على عادته](٤) فلم يجده في البئر فأخبر بذلك إخوته فطلبوه فإذا هم بمالك [بن ذعر](٥) وأصحابه نزول فأتوهم فإذا هم بيوسف ، فقالوا هذا عبد أبق منّا. ويقال : إنهم هدّدوا يوسف حتى لم
__________________
(١) هذه القصة مصدرها كتب الأقدمين.
[١١٨٠] ـ صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة (٧ / ٦٨) وأحمد (٣ / ٢٨٦) والحاكم (٢ / ٥٧٠) والواحدي في «الوسيط» (٢ / ٨٨) من طريق حماد بن سلمة ثابت عن أنس مرفوعا وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وهو على شرط مسلم.
وأخرجه مسلم ١٦٢ من طريق حماد بن سلمة ثابت عن أنس مرفوعا في أثناء حديث الإسراء وفيه : «... فإذا أنا بيوسف ، إذا هو قد أعطي شطر الحسن ...».
__________________
(١) ما بين الحاصرتين زيد في المطبوع وط.
(٢) في المطبوع «استبضعها» والمثبت عن المخطوط والطبري.
(٣) في المخطوط «المال» والمثبت عن الطبري والمطبوع.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.