قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) ، أي : محرمون بالحج والعمرة (١) ، وهو جمع حرام ، يقال : رجل حرام وامرأة حرام ، وقد يكون من دخول الحرم ، يقال : أحرم الرجل إذا عقد الإحرام ، وأحرم إذا دخل الحرم ، نزلت في رجل يقال له أبو اليسر شدّ على حمار وحش وهو محرم فقتله ، قوله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً) ، اختلفوا في هذا العمد ، [فقال قوم : هو العمد](٢) بقتل الصيد مع نسيان الإحرام ، أما إذا قتله عمدا وهو ذاكر لإحرامه فلا حكم عليه ، وأمره إلى الله لأنه أعظم من أن يكون له كفارة ، هذا قول مجاهد والحسن ، وقال الآخرون : هو أن يعمد المحرم قتل الصيد ذاكرا لإحرامه فعليه الكفارة ، واختلفوا فيما لو قتله خطأ ، فذهب أكثر الفقهاء إلى أن العمد والخطأ سواء في لزوم الكفارة ، وقال الزهري : على المتعمد بالكتاب وعلى المخطئ بالسنة ، وقال سعيد بن جبير : لا تجب كفارة الصيد بقتل الخطأ ، بل يختص بالعمد. قوله عزوجل : (فَجَزاءٌ مِثْلُ) ، قرأ أهل الكوفة ويعقوب (فَجَزاءٌ) منون ، (مِثْلُ) ، رفع على البدل من الجزاء ، وقرأ الآخرون بالإضافة (فَجَزاءٌ مِثْلُ) ، (ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) ، معناه : أنه يجب عليه مثل ذلك الصيد من النّعم ، وأراد به ما يقرب من الصيد المقتول شبها من حيث الخلقة لا من حيث القيمة ، (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) ، أي : يحكم بالجزاء رجلان عدلان ، وينبغي أن يكونا فقيهين ينظران إلى أشبه الأشياء [به](٣) من النّعم فيحكمان به ، وممن ذهب إلى إيجاب المثل من النّعم عمر وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف وابن عمر وابن عباس ، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم ، حكموا في بلدان مختلفة وأزمان شتّى بالمثل من النّعم ، فحكم حاكمهم في النعامة ببدنة وهي لا تساوي بدنة ، وفي حمار الوحش ببقرة وهي لا تساوي بقرة ، وفي الضبع بكبش وهي لا تساوي كبشا ، فدلّ أنهم نظروا إلى ما يقرب من الصيد شبها من حيث الخلقة ، وتجب في الحمام شاة ، وهو كل ما عبّ وهدر من الطير ، كالفاختة والقمري والدبسي ، وروي عن عمر وعثمان و [عن] ابن عباس رضي الله عنهم أنهم قضوا في حمام مكة بشاة.
[٨٢٨] أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن أبي الزبير المكي عن جابر بن عبد الله أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى في الضبع بكبش ، وفي الغزال بعنز ، وفي الأرنب بعناق ، وفي اليربوع بجفرة.
قوله تعالى : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) ، أي : يهدي تلك الكفارة إلى الكعبة ، فيذبحها بمكة ويتصدّق بلحمها على مساكين الحرم ، (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) ، قال الفراء رحمهالله : العدل بالكسر : المثل من جنسه ، والعدل بالفتح : المثل من غير جنسه ، وأراد به أنه في جزاء الصيد مخيّر بين أن يذبح المثل من النّعم فيتصدّق بلحمه على مساكين الحرم ، [وبين أن يقوّم المثل دراهم ، والدراهم طعاما
__________________
[٨٢٨] ـ موقوف صحيح ، رجاله رجال مسلم ، وفيه عنعنة أبي الزبير لكن له شواهد وطرق عن عمر وغيره من الصحابة ، وصدره له شاهد مرفوع.
وهو في «شرح السنة» ١٩٨٦ بهذا الإسناد ، وفي «الموطأ» (١ / ٤١٤) عن أبي الزبير المكي به.
__________________
(١) في المخطوط ب ، وحده «أو بالعمرة».
(٢) سقط من المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.