فيتصدق بالطعام على مساكين الحرم](١) ، أو يصوم عن كل مدّ من الطعام يوما وله أن يصوم حيث شاء لأنه لا نفع فيه للمساكين. وقال مالك : إن لم يخرج المثل يقوّم الصيد ثم يجعل القيمة طعاما فيتصدّق به ، أو يصوم ، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : لا يجب المثل من النّعم ، بل يقوّم الصيد فإن شاء صرف تلك القيمة إلى شيء من النّعم ، وإن شاء إلى الطعام فيتصدّق به ، وإن شاء صام عن كل نصف صاع من بر أو صاع من شعير يوما ، وقال الشعبي والنخعي : جزاء الصيد على الترتيب والآية حجّة لمن ذهب إلى التخيير. قوله تعالى : (لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ) ، أي : جزاء معصيته ، (عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ) ، يعني : قبل التحريم ، ونزول الآية ، قال السدي : عفا الله عما سلف في الجاهلية ، (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) ، في الآخرة. (وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ) ، وإذا تكرّر من المحرم قتل الصيد فيتعدّد عليه الجزاء عند عامّة أهل العلم ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : إذا قتل المحرم صيدا متعمدا يسأل هل قتلت قبله شيئا من الصيد؟ فإن قال نعم لم يحكم عليه ، وقيل له : اذهب ينتقم الله منك ، وإن قال لم أقتل قبله شيئا حكم عليه ، فإن عاد بعد ذلك لم يحكم عليه ، ولكن يملأ ظهره وصدره ضربا وجيعا ، وكذلك حكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم في وجّ وهو واد بالطائف ، واختلفوا في المحرم هل يجوز له أكل لحم الصيد؟ فذهب قوم إلى أنه لا يحل بحال ، ويروى ذلك عن ابن عباس ، وهو قول طاوس وبه قال سفيان الثوري ، واحتجّوا بما :
[٨٢٩] أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس عن الصّعب بن جثّامة الليثي أنه أهدى لرسول الله صلىاللهعليهوسلم حمارا وحشيا [وهو بالأبواء ، أو بودان](٢) فردّه عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال : فلما رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما في وجهي ، قال : «إنا لم نردّه عليك إلا أنّا حرم».
وذهب الأكثرون إلى أنه يجوز للمحرم أكله إذا لم يصطد بنفسه ولا اصطيد لأجله أو بإشارته ، وهو قول عمر وعثمان وأبي هريرة ، وبه قال عطاء ومجاهد وسعيد بن جبير ، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي ، وإنما ردّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم على الصعب بن جثامة لأنه ظنّ أنه صيد من أجله ، والدليل على جوازه ما :
[٨٣٠] أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك
__________________
[٨٢٩] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم ، ابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري.
وهو في «شرح السنة» ١٩٨٠ بهذا الإسناد وفي «الموطأ» (١ / ٣٥٣) عن الزهري به.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري ١٨٢٥ و ٢٥٧٣ ومسلم ١١٩٣ والنسائي (٥ / ١٨٣ و ١٨٤) وابن الجارود في «المنتقى» ٤٣٦ والشافعي (١ / ٣٢٣) وابن حبان ٣٩٦٩ والطحاوي (٢ / ١٧٠) والطبراني ٧٤٤١ والبيهقي (٥ / ١٩١).
وأخرجه مسلم ١١٩٣ ح ٥١ وأحمد (٤ / ٧٢) وابن الجارود ٤٣٦ والطبراني ٧٤٢٩ من طرق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري به ، وهو في «مصنف عبد الرزاق» برقم ٨٣٢٢.
وأخرجه البخاري ٢٥٩٦ ومسلم ١١٩٣ ح ٥١ و ٥٢ والترمذي ٨٤٩ وابن ماجه ٣٠٩٠ والشافعي (٢ / ١٠٣) والحميدي ٧٨٣ وأحمد (٤ / ٣٧ و ٣٨ و ٧١ و ٧٢) وابن حبان ١٣٦ و ٤٧٨٧ والبيهقي (٩ / ٧٨ و ١٩٢) من طرق عن الزهري به.
وأخرجه مسلم ١١٩٤ ح ٥٣ و ٥٤ والنسائي (٥ / ١٨٥) وأحمد (١ / ٣٦٢) وابن حبان ٣٩٧٠ من طرق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به.
[٨٣٠] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم ، أبو النضر هو سالم بن أبي أمية.
__________________
(١) سقط من المخطوط ب.
(٢) زيادة عن المخطوط وط.