فيقول : «أمره بالصفح عن سيئاتهم ، ومقابلتها بما يمكن من الاحسان ، حتى اذا اجتمع الصفح والاحسان ، وبذل الاستطاعة فيه ، كان أحسن ، لأنها حسنة مضاعفة بازاء سيئة ، أو نقول : المكافأة حسنة ، ولكن العفو أحسن».
ويروى عن ابن عباس ان الحسنة المرادة هنا هي شهادة أن لا اله الا الله ، وأن السيئة هي الشرك. وعن مجاهد أن الحسنة هي أن يسلم عليه اذا لقيه. واذا كان هناك من قال ان هذه الآية منسوخة بآية السيف ، فان الاولى أن يقال انها محكمة ، لان المداراة مستحبة ، ما لم تؤد الى محذور. وقد يؤكد هذا قوله تعالى في ختام الآية : «نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ» أي يفترونه عليك ، وهو أقدر على جزائهم ، فليفوض أمرهم الى الله ، وليدفع أذاهم بالكلام الجميل ، والسلام ، وبيان الادلة على أحسن الوجوه.
ويعود التنزيل المجيد الى الحث على فضيلة الدفع بالحسنى ، وذلك في سورة فصلت حيث يقول :
«وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ، وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ»(١).
ويذكر ابن كثير أن هناك فرقا عظيما بين الحسنة والسيئة ، فهما لا تستويان أبدا ، واللائق بالمسلم أن يدفع بالتي هي أحسن ، فمن أساء اليك فادفعه عنك بالاحسان اليه ، وهذا عمر الفاروق يقول لك : «ما
__________________
(١) سورة فصلت ، الآيتان ٣٤ و ٣٥.