ويقال : ادفع الجفاء بالوفاء ، وجرم أهل العصيان بحكم الاحسان.
ويقال : ادفع ما هو حظك ، اذا حصل ما هو حق لك.
ويقال : اسلك مسلك الكرم ، ولا تجنح الى طريق المكافأة.
ويقال : الأحسن ما أشار اليه القلب ، والسيئة ما تدعو اليه النفس.
ويقال : الأحسن ما كان باشارة الحقيقة ، والسيئة ما كان بوساوس الشيطان.
ويقال : الأحسن نور الحقائق ، والسيئة ظلمة الخلائق».
ونقرأ الآيتين الواردتين في سورة فصلت : «وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ، ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ، وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا ، وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ». ونعود الى «لطائف الاشارات» لنجد فيه هذه العبارة :
«قوله جل ذكره : «وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» الآية : ادفع بالخصلة التي هي أحسن السيئة ، يعني بالعفو عن المكافأة (١) ، وبالتجاوز والصفح عن الزلة ، وترك الانتصاف. «فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ» : يشبه الوليّ الحميم ، ولم يصر وليا مخلصا ، وهذا من جملة حسن الادب في الخدمة في حق صحبتك مع الله ، تحلم مع عباده لاجله ، ومن جملة حسن الخلق في الصحبة مع الخلق ألا تنتقم لنفسك ، وأن تعفو عن خصمك.
قوله جل ذكره : «وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» : لا يقوم بحق هذه الاخلاق الا من أكرم بتوفيق الصبر ، ورقّي
__________________
(١) المراد بالمكافأة هنا هو مقابلة السيئة بسيئة مثلها.