«كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ، لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ، ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ»(١).
وقد علق الاستاذ الامام محمد عبده على الآية الاولى بقوله : «جرت سنة الغافلين اذا نبّهوا ، والذاهلين اذا ذكّروا بعواقب ما هم فيه ، أن يحدّثوا أنفسهم بأنهم يعلمون ذلك ، وأنهم يفعلون ما يفعلون عن يقظة وارشاد بصيرة ، وأنهم محيطون بما ينشأ عن فعالهم ، ويسلّون أنفسهم بذلك ليستمروا في لهوهم.
فحارب الله هذه الهواجس ، وقاتل هذه الخواطر بقوله :
«كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ».
أي ارتدعوا عن تغريريكم بأنفسكم ، بدعوى أنكم تعلمون عاقبة ما أنتم فيه من اللهو بالتكاثر ، فان هذا الذي تسمونه علما ليس على الحقيقة بعلم ، وانما هو وهم وظن ، لا يلبث أن يتغير مهما استحكم عقده من قلوبكم ، لأنه لا يطابق واقعا.
والجدير بأن يسمى علما هو علم اليقين ، أي العلم الذي هو من أفراد اليقين. واليقين هو الاعتقاد الذي يطابق الواقع عن عيان أو دليل صحيح ، مقدماته بديهية أو منتهية الى البديهيات ، بحيث يستحيل تغيره.
والنفس اذا ملكت هذا النوع من العلم ملكا هو ارادتها ، وعاد المصرّف لها في شؤونها. فلو تعلمون هذا العلم لرفعكم عن هذا التكاثر ، ودفعكم الى السعي فيما تصلح به ظواهركم ، وتخلص به لله سرائركم ، وتتحد به في تأييد الحق هممكم ، لأن التحقق من سوء العاقبة ينأى بالنفس عما يفضي اليها ، ويدفعها الى طلب ما هو أحسن منها».
__________________
(١) سورة التكاثر ، الآيات ٥ ـ ٧.