ثم أضاف الامام : «نعم ان دعوة الامة غيرها من الامم الى الخير الذي هي عليه لا يطالب به كل فرد بالفعل ، اذ لا يستطيع كل فرد ذلك ، وانما يجب على كل فرد ان يجعل ذلك نصب عينيه ، حتى اذا عنّ له بأن لقي أحدا من أفراد تلك الامم دعاه ، لا أنه ينقطع لذلك ويسافر لأجله.
وانما يقوم بهذا طائفة يعدون له عدته ، وسائر الافراد يقومون به عند الاستطاعة ، فهو يشبه فريضة الحج ، هي فرض عين ، ولكن على المستطيع ، وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر آكد من فريضة الحج ، ولم يشترط فيها الاستطاعة ، لأنها مستطاعة دائما».
وللناهي عن المنكر صفات يتحلى بها ، ليكون نهيه مثمرا ، ومن هذه الصفات أن يكون على علم ومعرفة ، حتى لا ينهى بجهل ، ولا يعترض بطيش ، وحتى لا يعرض نفسه للمؤاخذة والتسفيه ، فان من أشد الامور على الناس أن يتهجم جاهل أو أحمق بالاعتراض على غيره ، واتهامه بأنه على منكر ، ثم تنكشف الحقيقة عن أن الأمر ليس منكرا ، وانما جاء الاتهام بالمنكر من قبل ذلك الجاهل الاحمق الذي اندفع يعترض على الناس ويتهمهم ، وهو محتاج الى التعليم والتقويم.
ومن هذه الصفات أن يكون الناهي عن المنكر منتهيا عنه قبل أن ينهى الناس ، أو حين ينهي الناس على الاقل ، ولذلك قال القائل الحكيم :
لا تلم المرء على فعله |
|
وأنت منسوب الى مثله |
من ذم شيئا وأتى مثله |
|
فانما يزري على عقله |
ومن صفات الناهي أن يكون دمث الاخلاق حليم النفس لين الحديث ، وتاريخ الاخلاق يذكر لنا أن واعظا من الوعاظ تحدث الى المأمون بنصيحة ، فأغلظ فيها ، فقال له المأمون : أيها الرجل ، ترفق ، فقد بعث الله من هو خير منك الى من هو شرّ مني ، وأمره بالرفق ، لقد بعث الله موسى