لأن هذا التعبير يتناول جميع الملل التي جاء بها الانبياء والمرسلون ، لأن الاسلام بمعنى الانقياد الخالص لله هو الروح الكلي لهذه الملل ، ولأنه الاساس الذي اتفقت فيه على اختلاف بعض التكاليف وصور الاعمال ، فالمسلم الحقيقي في حكم القرآن هو من كان خالصا من شوائب الشرك بالرحمن ، مخلصا في أعماله مع الايمان في أي زمان أو مكان لأن الله تعالى شرع الدين لأمرين أصليين أحدهما تصفية الارواح وتخليص العقول من شوائب الاعتقاد بالسلطة الغيبية للمخلوقات وقدرتها على التصرف في الكائنات ، لتسلم من الخضوع والعبودية لمن هم من أمثالها. أو لما هو دونها في استعدادها. وثانيهما اصلاح القلوب بحسن القصد في جميع الاعمال ، واخلاص النية لله وللناس.
فمتى حصل هذان الأمران انطلقت الفطرة من قيودها العائقة لها عن بلوغ كمالها في أفرادها وجماعاتها.
وهذان الامران هما روح المراد من كلمة الاسلام ، وأما أعمال العبادات فانما شرعت لتربية هذا الروح الامري في الروح الخلقي ، ولذلك يشترط فيها النية والاخلاص ، ومتى تربى هذا الروح سهل على صاحبه القيام بسائر التكاليف الادبية والمدنية التي يصل بها الى المدينة الفاضلة وتحقيق أمنية الحكماء.
ولو أننا رجعنا الى روضة السنة المطهرة لوجدنا المعنى القلبي الاخلاقي لكلمة الاسلام موجودا في مواضع منها ففي البخاري نجد من دعوات النبوة : «اللهم لك أسلمت» وفي رواية : «اللهم أسلمت نفسي اليك» وهذا التعبير معنى الاستسلام والانقياد لأمر الله والخضوع لمشيئته. وقد جاء في مسند ابن حنبل : «لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه» أي أن يكون قلب الانسان خالصا لربه منقادا لأمره ، لا يشغله سواه.