فلم يجعل الامر مقصورا على طائفة من الناس دون طائفة ، بل جعل المطالبة موجهة الى الجميع ، وهذا يفيد وجوب شمول التعاون للمجتمع وأبنائه. وهو يوجه التعاون ليكون في الاغراض الطيبة الطاهرة النافعة للفرد والجماعة ، فذكر «البر والتقوى» موضعين لهذا التعاون ، والبر هو التوسع في فعل الخير والعمل الصالح ، والتقوى هي اتقاء كل ما يضر الفرد أو الجماعة في الدين والدنيا ، وفي الحسيات والمعنويات.
وهو يحذر أن يكون التعاون على باطل أو اثم أو ضرر ، فنهى أن يكون التعاون على الاثم والعدوان ، والاثم هو كل فعل قبيح لا ترتضيه العقول السليمة ، ولا تقبله النفوس القويمة ، والعدوان هو تجاوز حدود الشرع والعرف الصحيح في المعاملة.
ولو رجعنا الى القرآن الكريم لوجدناه يعرض علينا صورا تعاونية لها قيمتها ، تؤكد في نفوسنا أن الحياة لا تستقر الا بالتعاون ، فها هو ذا يحدثنا مثلا عن «ذي القرنين» فيذكر لنا ان الله تبارك وتعالى قد مكّن له في الارض ، وآتاه من كل شيء سببا ، فتوافرت له القدرة والسلطة ، وتهيأت أمامه أسباب للقوة والنفوذ لم تتوافر لكثير غيره ، والقرآن يقول عنه في سورة الكهف :
«وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً ، إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ ، وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً» (١).
ومع ذلك لم يستغن ذو القرنين عن معونة غيره حينما أراد أن يقوم بعمل كبير ، وهاهوذا القرآن يعود فيحدثنا عن ذي القرنين قائلا :
__________________
(١) سورة الكهف ، الآية ٨٣ و ٨٤.