ومسرة لأهل القربات.
و (الرَّحْمنِ) : مطيّة السالكين ، تسير بهم إلى معدن العناية ، و (الرَّحِيمِ) : حبل الحق للمجذوبين تجذبهم به إلى حجال الوصلة.
باسمه (الرَّحْمنِ) أمنهم من العقاب ، وباسمه (الرَّحِيمِ) أتاهم من نفائس الثواب ؛ الأول : مفتاح المكاشفة ، والآخر : مرقاة المشاهدة.
باسمه (الرَّحْمنِ) : فتح لهم الغيوب ، وباسمه (الرَّحِيمِ) : غفر لهم الذنوب.
وقال ابن عطاء : في اسمه (الرَّحِيمِ) مودة ومحبة.
وعن جعفر بن محمد في قوله : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) إنه قال : هو واقع على المريدين والمرادين ؛ فاسم (الرَّحْمنِ) : للمرادين ؛ لاستغراقهم في أنوار الحقائق ، و (الرَّحِيمِ) : للمريدين ؛ لبقائهم مع أنفسهم ، واشتغالهم بالظاهر.
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤))
قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١) شكر نفسه للعباد ؛ لأنه علم عجزهم عن شكره ، وأيضا : أدّب الخلق بتقدم حمده امتنانه عليهم على حمدهم نفسه.
ولسان الحمد ثلاثة : لسان الإنسانيّ ، ولسان الروحانيّ ، ولسان الربانيّ ، أما «اللسان الإنسانيّ» : فهو للعوام ، وشكره بالتحدث بإنعام الله وإكرامه ، مع تصديق القلب بأداء الشكر.
__________________
(١) لم يقل تعالى : الحمد لرب العالمين الله ؛ لكون الربوبية تلو الألوهية دون العكس ؛ فإن الألوهية كالسلطنة ، والربوبية كالوزارة ، فالسلطان مظهر الاسم الله ؛ لكمال جمعيته ، والوزير مظهر الاسم الرب ؛ لكونه في مقام التربية للعالمين ؛ كالروح والعقل ، فإن القوى والأعضاء إنما تقومان بهما ، وبهما كمال ترتبيهما ، فكما أن تعيّن الروح قبل تعيّن ما دونه ؛ فكذا تعيّن الألوهية ، ونظير ذلك الشمس مع القمر ، فإن الشمس أقدم في الوجود ؛ كتقدّم الأب على الابن.
والحاصل : إن الألوهية باطن الربوبية ، فالأولى مظهر الاسم الباطن ، والثانية مظهر الاسم الظاهر ، وكذا الحق باطن الخلق ، والشمس باطن القمر ، والأب باطن الابن ، والروح باطن الجسم ، فالظاهر مرآة الباطن في كل ذلك ؛ وإنما جعلوا الرب الاسم الأعظم أيضا ، وفي مرتبة الجلال من حيث جمعيته ؛ لأن الألوهية والربوبية لا تختصان بألوهية بعض دون بعض ، وبربوبية بعض دون بعض ، وباسم دون اسم ، وبلطف دون قهر وبالعكس ، فللسلطان الجمال والجلال ، وللوزير التربية بكل من اللطف والقهر ، فجمعية السلطان إنما تظهر في المراتب التي دون السلطنة فاعرف ذلك.