وأما «اللسان الروحانيّ» : فهو للخواص ، وهو ذكر القلب لطائف اصطناع الحق في تربية الأحوال ، وتزكية الأفعال.
وأما «اللسان الربانيّ» : فهو للعارفين ، وهو حركة السرّ ، يصدق شكر الحق جلّ جلاله بعد إدراك لطائف المعارف ، وغرائب الكواشف بنعت المشاهدة والغيبة في قربه ، واجتناء ثمرة الأنس ، وخوض الروح في بحر القدس ، وذوق الأسرار مع مباينة الأنوار.
والحامدون في حمدهم لله ، بتفاوت لسانهم في مقاماتهم ومقاصدهم ، وأهل الإرادة حمدوه بما نالوا من صفاء المعاملات ، مقرونا بنور القرب ، وأهل المحبة حمدوه بما نالوا من أنوار المكاشفات ، مقرونة بنور صرف الصفات ، وأهل المعرفة حمدوه بما نالوا من جمال المشاهدات ، ممزوجا بعلم الربوبية ، وأهل التوحيد حمدوه بما نالوا من سناء خصائص الصفات ، وجلال قدم الذات ، مشوبا بنعت البقاء ، وأهل شهود الأزل بنعت الأنس حمدوه بما لاح في قلوبهم من نور القدس ، وقدس القدس ، وبما أودع الله أرواحهم من أسرار علوم القدم ، وما أفرد مواطن أسرارهم من غصن الأبصار في تعرض الحدثان عند حقائقها ، وما خصها بكشف الكشاف ، فحمدهم بالبسط والرجاء والانبساط شطح ، وحمده في الاصطلام والمحو خرس.
كما قال عليهالسلام : «لا أحصي ثناء عليك» (١) في قبضه عن تحصيل شكر رؤية القدم ، فلسان التحميد لأهل التفرقة ، ولسان الحمد في رؤية المحمود صفات أهل الجمع.
وقيل : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) : ما قضى وقدّر بإدراك ، على ما هدى وحفظ ، وعلى ما أرشدوا ، وعلى ما اختاروا.
وقال أبو الوزير الركبي في قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) : عن الله ، قال : لو عرّفت ذلك عبدي ، لما شكرت غيري.
وقال أبو بكر بن أبي طاهر : ما خلق الله شيئا من خلقه ؛ إلا وألهمه الحمد ، ثم جعل فاتحة كتابه ، وفرضها عليهم في صلاته.
وقال ابن عطاء : «الحمد لله» معناها الشكر لله إذا كان منه الامتنان على تعليمنا إيّاه حتى حمدنا.
وقيل : معنى «الحمد لله» أي : أنت المحمود جميع صفاتك وأفعالك.
وقيل : «الحمد لله» أي : لا جامد لله إلا الله.
وذكر عن جعفر الصادق في قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) ، قال : من حمده ، فقال : من حمد
__________________
(١) رواه مسلم (١ / ٣٥٢).