وقال الواسطي : (لِيُحِقَّ الْحَقَ) بتجلّيه ، و (يُبْطِلَ الْباطِلَ) باستتاره.
وقال بعضهم : (لِيُحِقَّ الْحَقَ) بالكشف ، و (يُبْطِلَ الْباطِلَ) بالستر.
وقال بعضهم : (لِيُحِقَّ الْحَقَ) بالرضا ، و (يُبْطِلَ الْباطِلَ) بالسخط.
وقيل : (لِيُحِقَّ الْحَقَ) للأولياء و (يُبْطِلَ الْباطِلَ) للأعداء.
وقيل : (لِيُحِقَّ الْحَقَ) بالخدمة ، و (يُبْطِلَ الْباطِلَ) بالصرف.
وقيل : (لِيُحِقَّ الْحَقَ) بالبراهين ، و (يُبْطِلَ الْباطِلَ) بالدعاوى.
(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩) وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (١٠) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (١١))
قوله تعالى : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ) : الاستغاثة مقام الشكوى والتواضع في الانبساط والفناء في رؤية البقاء ، فمن تعرّض له حال الاستغاثة ، فيفر منه إليه ويطلب هو منه يغيثه به لا منه ، فإنّ القوم طلبوا منه بالاستغاثة المعونة على مأمولهم من النصر ، ونيل الغنيمة ، فأغاثهم بإمداد الملائكة ، ثم صرفهم عن رؤية الغير.
بقوله : (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) : إجابتهم بالسرعة من صدق لجوئهم إليه ، وكمال الإجابة ، استغراقهم في بحار شهود سنا جماله ، وأنوار جلاله.
قال بعضهم : من صدق اللجوء والاستغاثة ، أجيب في الوقت.
قال الله تعالى : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ).
قال النصر آبادي : استغاثة منه ، واستغاثة إليه ، الاستغاثة منه لا يجاب صاحبها بجواب ، بل يكون أبدا معلّقا بتلك الاستغاثة ، والاستغاثة إليه ، فذلك الذي يجاب إليه الأنبياء والأولياء والأصفياء.
قال أيضا : النفس تستغيث بطلب حظّها من البقاء ، ودوام العافية فيها ، والقلب يستغيث من خوف التقليب ، قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء» (١).
والروح تستغيث بطلب الرواح ، والسرّ يستغيث لإطلاعه على الخفيّات ، قال تعالى :
__________________
(١) رواه مسلم (٤ / ٢٠٧٥).