(يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر : ١٩].
قال الأستاذ : الاستغاثة على حسب شهود الفاقة ، وعدم المنّة والطاقة ، والتحقّق بانفراد الحق بالقدرة على إزالة الشكاية.
قوله تعالى : (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) إمداد الملائكة بشارة لصدق مواعيده ، ولطمأنة قلوب عباده بأنوار بقائه ، وصورة البرهان يكون لضعف الإيقان ، ولو كان الإيقان على حد الاستكمال بالعرفان ، لم تتعلّق الطمأنينة بالبرهان.
فلما عزّ في جلاله وكبريائه ، صرف عيون القوم عن الوسائط إلى عزّ جلاله ، بقوله : (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) : «النصرة» : كشف أنوار مشاهدته للأرواح السكرى بشراب شوقه ، يظفرها بوصله ؛ لانهزام جنود قهرياته من ساحات لطفه.
قيل : بيّن الله آثار النصرة ، وبدو السلامة ، فمن لم يطلب النصرة والسلامة بالذلّة والافتقار إليه لا ينالها ؛ لأن طلب النصرة بالقوة والقدرة منازعة للربوبيّة ، ومن نازع المولى قهره.
ثم تعزّز بعزته في نصرة أوليائه عند تبرّيهم من حولهم وقوتهم ، بقوله : (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) : «عزيز» : بامتناعه عن مطالعة خلقه جلاله وجماله بعلّة من العلل ، «حكيم» : باختصاصه مقام مشاهدته ، وكشف قربه لهم.
قال الواسطي : «العزيز» : الذي لا يدركه طالبوه ، ولو أدركوه لذلّ.
وقال الأستاذ في قوله : (عَزِيزٌ) : فالطالب واجد ، لكن بعطائه ، والراغب واصل ، ولكن إلى مباره ، والسبيل سهل ، ولكن إلى وجدان لطفه.
فأما الحقّ سبحانه ، فهو عزيز وراء كل وصل وفصل ، وقرب وبعد ، ما وصل إلى نصيبه ، وما بقي أحد إلا عن حظّ ، وأنشد :
وقلوبنا نحن الأهلّة إنّما |
|
تضيء لمن يسري بليل ولا نقرى |
فلا بذل إلّا ما تزوّد ناظري |
|
ولا وصل إلّا بالخيال الذي سرى |
ثم وصف سبحانه زيادة امتنانه عليهم بعد نصرهم ونيلهم مرادهم ، بعد أن أراح أبدانهم من وجع الآلام ، وقلوبهم عن كدّ القبض بإنزاله عليهم النعاس ، بقوله تعالى : (يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ).
«النعاس» : ارتفاع بخار الدم من حرقة القلب إلى الدماغ في أصل الحكمة ؛ لاستراحة أعصاب الدماغ وقت استرخائها من حدّة مشاغل تنفّس أنفاس الدموية المختلطة برطوبات