لا لأنفسكم وحظوظكم ، وطلب أعواض أعمالكم.
(اسْتَجِيبُوا) : ببذل أرواحكم وأشباحكم لداعية الأزل ، حيث دعاكم منه إليه قبل وقوع حدّ وثبتكم ، دعاكم بوصف السرمدية من محبّته لكم ، وشوقه إليكم ، فأحبّوه واشتاقوا إليه بمحبّته وشوقه ، واستجيبوا للرسول بمتابعة أمره ، فإنه روح الصغرى من عالم الملكوت أدرك من روح الكبرى ، وهي نعوت الجبروت حياة القدم.
(يُحْيِيكُمْ) : بروح الصغرى والكبرى.
وأيضا (لِما يُحْيِيكُمْ) أي : مشاهدة الأزليّة ، وقربته الأبدية ، ومحبّته الصفاتية ، ومعرفته الذاتية.
قال الجنيد في هذه الآية : قرع أسماعهم ، فيسمعهم حلاوة الدعوة ، فيتنسموا روح ما أدّته إليهم الفهوم الطاهرة من الأدناس.
فأسرعوا إلى حذف العلائق المشغلة قلوب الموافقين ومنعها ، وهجموا بالنفوس على معانقة الحذر ، وتجرّعوا مرارة المكابدة ، وصدقوا الله في المعاملة ، وحسن الأدب فيما توجهوا إليه ، وهانت عليهم المصيبات ، وعرفوا قدر ما يطلبون ، واغتنموا سلامة الأوقات ، وسجنوا همومهم عن التقلّب إلى مذكور سوى وليّهم ، فحيوا حياة الأبد بالحي الذي لم يزل ولا يزال ، فهذا معنى قوله : (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ).
وقال الواسطي في قوله : (إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) : حياة تصفيتها من كلّ معلول لفظا وفعلا.
وقال جعفر : أجيبوه إلى الطاعة ؛ ليحيي بها قلوبكم.
وقال أيضا : (إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) : «الحياة» : هي الحياة بالله ، وهي المعرفة ، كما قال الله تعالى : (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) [النحل : ٩٧].
وقال بعضهم : استجيبوا لله بسرائركم ، وللرسول بظواهركم إذا دعاكم إلى ما يحييكم.
فحياة النفوس بمتابعة الرسول ، وحياة القلب بمشاهدة الغيوب ، وهو الحياء من الله برؤية التقصير.
وقال جعفر الصادق : حياة القلوب في المعاشرة ، وحياة الأرواح في المحبّة ، وحياة النفوس في المتابعة ، ولما دعاهم إلى مشاهدته بنعت الشوق ، عرّفهم أن قلوبهم مسلوبة منهم بكشف جماله ، وإلقاء محبّته ومعرفته فيها ، بقوله :
(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) أي : قلوبكم معي فاتّبعوا أثرها ،