واطلبوها منّي حتى أطهّرها لكم ، متقلبات في بحر الصفات والذات ، حائرات في المشاهدات ، ساكرات بشراب القربات ، دانيات منّي ، فانيات فيّ ، باقيات معي ، لو تعرفونها تعرفوني ، لذاك قال عليهالسلام : «من عرف نفسه فقد عرف ربه» (١) ؛ لأنه نفس النفس ، وقلب القلب ، وروح الروح ، وعقل العقل ، وحياة الحياة.
ثمّ وصف عليهالسلام تقلّبها في عيون الصفات بنعت البقاء ، وسباحتها في بحار الذات بنعت الفناء ، بقوله صلىاللهعليهوسلم : «القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن» (٢).
قيل : أنّ الله أشار إلى قلوب أحبابه بأنه يأخذها منهم ، ويجمعها ويقلبها بصفاته ، كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء» (٣) ، فيختمها بخاتم المعرفة ، ويطبعها بطبائع الشوق.
وقيل : (يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) أي : عقله وفهمه عن الله خطابه.
وقيل : يحول بين المؤمن والإيمان ، وبين الكافر والكفر ، ويردّهما إلى الذي سبق لهم منه في الأزل.
ويقال : حال بينهم وبين قلوبهم ؛ لئلا يكون لهم رجوع إلا إلى الله.
(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٥) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧))
قوله تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) : حذّر الله أهل القصة من الدعاوى الكاذبة ، وهي التي لم يبلغ صاحبها إلى ما تدّعي من المقامات ، فيفتتن بها هو وغيره من المريدين ، فإنّ من أظهر شيئا من نفسه ، ولم يكن أهل ذلك ، فهو يحتجب به عن كلّ مقصود.
ويضل من يقتدي به ممن لا يعرف الحقّ من الباطل ، قال عليهالسلام : «المتتبع بما لم يعط كلابس ثوبي زورا» (٤).
قال أبو عثمان : اكتساب المال من الحرام من الفتن التي تصيب بغير مباشرة.
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) رواه ابن حبان (١٣ / ٤٩).