وأنتم تعلمون أنكم خائنون في تضييعكم ، ومنّ الله عليكم من علمه الذي علّمكم.
وأيضا من عرف الله والتفت سرّه إلى شيء غير الله ، فقد خان الله في محبّته وأمانته ، وودائع معرفته في صدور عباده التي توجب انفراد خواطرهم من كلّ العوارض النفسانية والشيطانية.
قال أبو عثمان : من خان الله في السرّ ، هتك ستره في العلانية.
وقال بعضهم : خيانة الله في الأسرار من حبّ الدنيا ، وحب الرئاسة ، والإظهار خلاف الإضمار ، وخيانة الرسول في آداب الشريعة ، وترك السنن والتهاون بها ، وخيانات الأمانات في المعاملات والأخلاق ، ومعاشرة المؤمنين في ترك النصيحة لهم.
(وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩) وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٣١) وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢))
قوله تعالى : (أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) : بيّن سبحانه أن من اتّكل إلى المال في معيشته ، وتولّى إلى أولاده في طلب نصرته ، فقد افتتن في طريق الله بغير الله.
قال بعضهم : «أموالكم» : فتنة إن جمعها وأمسكها ، ونعمة إذا أنفقتم ، وبذلتم في وجوه الخيرات.
وقال بعضهم : «المال» : فتنة لمن طلب الفتنة ، ونعمة لمن كان خازنا لله فيه يأخذه بأمره ، ويخرجه بأمره إلى أربابه.
وقال أبو الحسين الورّاق : ما اعتمدت سوى الله من الدنيا والآخرة ، فهو فتنة حتى تعرض عن الجميع ، وتقبل على مولاك ، وتعتمد عليه.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) : بيّن سبحانه من مخرج بسرّه من جبّ شيء سوى الله من المال والولد والدنيا والآخرة ، يسرج الله في قلبه في مسرجة التقوى مصباح أنوار الغيب ، تضيء الأبصار أسراره ما في خزائن ملك الملكوت ، ويفرّق بسناها بين المكاشفات والمخاييل.