وقال الأستاذ : من جملة مكره اغترار قوم بما يرزقهم من الطيّبات الجميلة ، وأجر كثير الطاعات عليهم ، مع شرب لهم من قبول الناس إيّاهم ، ثم أسرارهم تكون بالأغيار منوّطة ، وهم عند الله غافلون ، وعند الناس أنهم عند الله مكرّمون ، وفي معناه قيل :
وقد حسدوني قرب داري منهم |
|
فكم من قريب الدّار وهو بعيد |
(وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣) وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٤) وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦) لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٣٧) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٨))
قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (١) : كان عليهالسلام رحمة تامة للجمهور حياة ومماتا ، صرف الله عذابه المستأصل عمّن كان على رأس المخالفة ، ونبيّه عليهالسلام بين أظهرهم ؛ لأنّ كلّ عين نظرته ، واقتبست نوره ، لم يكن مستأصلا من أصلها ، وإن كانت محجوبة عن رؤية مراتبه ، وشرف منازله ؛ لأن مكثه وظله عليهالسلام كنف رحمة الله ، ومن يدرك في نفسه قارعة لتنبهه من غفلته ، وتخلصه من عذاب الله.
وأيضا ما كان الله ليعذّب قومك بعذاب البعد ، وأنت قريب منهم ، فإن من رآك رآني ، لا يحتجب منا ما دام ينظر إليك (٢).
__________________
(١) المراد بالتعذيب الأول هو : التعذيب الدنيوي ؛ لأن وجود النبي صلىاللهعليهوسلم أمان للمذنبين ، وعبارة الخطاب له صلىاللهعليهوسلم ، وإشارة لاصطفاء أمته ؛ فيكون كقوله : «لولاك لولاك لما خلقت الأفلاك» ؛ فإن المراد به : لولاك ولولا ما هو شعبة من شعب أنوارك لما خلقت العالم من العرش ، والكرسي وغيرهما.
(٢) فانظر إلى قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ) إلخ ، كيف جعل الوجود النبوي ، وحصول الاستغفار سببا لارتفاع العذاب ، وباعثا على الأمان؟ فالأول : من الأسباب الآفاقية ، والثاني : من الأسباب الأنفسية ، فكما أن الورثة خلفاء الرسول صلىاللهعليهوسلم ونوابه ، وبهم يحصل من الأمان ما يحصل به ، وإن كان دونه ؛ فكذا القلب بمنزلة الوجود المحمّدي في عالم الوجود بشرط أن يظهر على الصفة النبوية من التوجه إلى الله