(مَنْ هَلَكَ) : بهواه ما هلك إلا بإهلاكه إيّاه في الأزل.
و (مَنْ حَيَ) : بمناه من مشاهدته ومعرفته ، ما حيا إلا بإحيائه في الأزل إظهار الشريعة ، وإبراز الأدلّة حكم في محلّ الامتحان ، وقضية الأزل غالبة على صورة الأمر.
قال تعالى : (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ).
قال بعضهم : أظهر للخلق الآيات ، ونصب لهم الأعلام ، وفتح أعين القوم لرؤيتها ، وأعمى قوما دونها ، وبعث إليهم الوسائط بالبراهين الصادقة ، والأنوار النيّرة ، ولكن (يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ).
وقدّم هذه المقدمة : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ).
قال بعضهم : لا خير إلّا لمن حيا بذكره وأنس بقربه ، والخلق كلّهم متحركون في أسبابهم ، والحيّ منهم من تكون حياته ، بالحيّ الذي لا يموت.
قال الأستاذ : الهالك من عمي في أودية التفرقة ، والحيّ من حيا بنور التعريف.
(وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٤٧) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤٨) إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٩) وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٥١) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٥٢))
قوله تعالى : (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).
أول الصبر التصبّر ، وهو مقام التكليف ، والبصر مقام التشريف ، الأول : مجاهدة ، والآخر : مشاهدة ، أي : اصبر بأنّي في لوعات شوقكم ، إنّي أشتاق إليكم ، واصبر كما يصبرون ، فهذا معنى قوله : (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).