وهذا معنى قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «الأرواح جنود مجندة» (١).
ثم أنّ الله سبحانه امتنّ على نبيّه بأنه حسبه في كلّ مراد له منه ، وحسب المؤمنين بما يريدون منه ، وأفرد النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه والمؤمنين ؛ لتبرّيهم من حولهم وقوتهم ، حيث ضمن دفع العدوان عنهم بنصرته وأزليته ، بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ).
أولها مننت عليك بائتلاف قلوب المؤمنين في نصرتك ، فلا تلتفت إليهم في محلّ التوحيد ، فإنّي حسبك وحدي بغير معاونة الخلق ، فينبغي أن تفرد القدم عن الحدوث في سيرك مني إليّ ، وأنا حسب المؤمنين عن كلّ ما دوني ، وإن كان ملكا مقرّبا ، أو نبيّا مرسلا ، ولا ينبغي في حقيقة التوحيد النظر إلى غيري ، وإن كان مني ، وفي هذه الإشارة قد أشار بقوله سبحانه في وصف كبرياء مجالسه من المقرّبين ، بقوله : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٥٢].
قال الواسطي : حسبك بالله وليّا وحافظا وناصرا ، ومن اتّبعك من المؤمنين ، فالله حسبهم.
(الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٦٦) ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨))
قوله تعالى : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) : كلّ مسامحة من الله في المجاهدة تكون من كشف المشاهدة.
فالمستأنس بالله يكون خفيف القلب ، خفيف البدن ، خفيف الحل ، شريف الهمّة ، لا يحتمل مع أنوار مشاهدته كثرة أثقال العبودية ، فيخفّف الله بأوليائه رحمة عليهم ، وتلطّفا منه عليهم ؛ ليزيد روح قلوبهم من المراقبة والاستئناس من المحاضرة ، ولذلك أكرم نبيّه عليهالسلام بأن رفع مشقة كثرة العبودية عنه حين تورمت قدماه من كثرة العبادة ، بقوله تعالى : (طه (١) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) [طه : ١ ، ٢] ، بعد أن كان في البداية قد أقامه في أجواف الليالي لخدمته ، بقوله : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) [المزمل : ١ ، ٢].
__________________
(١) تقدم تخريجه.