وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (٧٣))
قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً) : أمر الله سبحانه بأكل الحلال الطيب ، الذي يتوّلد من كشف الحلال مثل الجهاد ، وذلك أن لقمة الحلال معجونة بنظر لطفه ، تقوّي أبدان الصدّيقين ، وقلوب المقرّبين ، وأرواح المحبّين ، ولا يتولد منه الأمان فيها معجونا ، وهو لطف الباري سبحانه ، ويهيجه إلى طهارة القلب من الوسواس ؛ لأن الحرام ميراث الشيطان ، وهم يتبعون ميراثهم ، ويطلبون عوضه حال الصادق وإيمانه.
قال جعفر : «الحلال» : ما لا يعصى الله فيه ، و «الطيّب» : ما لا ينسى الله فيه.
وقال بعضهم : «الحلال» : ما أخذته عن ضرورة ، و «الطيّب» : من الحلال ما أثرت به مع الحاجة والفاقة.
وقال بعضهم : «الحلال» : ما يظهر لك من غير سبب ، و «الطيّب» : ما يبدو لك من السبب ، وما أرى من الفرق بين الحلال والطيّب أن الحلال ما تأكل في المجاهدة ، والطيب ما تأكل في المشاهدة ، وأيضا الحلال ما لم يحك الصدر ، والطيب ما يروح القلب.
قال صلىاللهعليهوسلم في هذه الإشارة : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، واستفت قلبك ولو أفتاك المفتون» (١).
وقال صلىاللهعليهوسلم : «الإثم ما حاك صدرك» (٢)
وأيضا «الحلال» : ما يتعرّض لك من الغيب بمراقبتك وانتظارك ، و «الطيّب» : ما يبدو لك من الغيب بغير مراقبتك ، واستشراف نفسك.
وقال الأستاذ : «الحلال» : ما كان مأذونا فيه ، و «الحلال الطيّب» : أن تعلم أن ذلك من قبل الله فضل لك من قبله ، لا استحقاق.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ
__________________
(١) رواه الترمذي (٤ / ٦٦٨).
(٢) رواه مسلم (٤ / ١٩٨٠).