لأنهم عموا عن رؤية قبائحهم وسواء أفعالهم وهم يظنون أنهم أشرف خلق الله ، لذلك لا يقبلون النصيحة ، ولا يلتفتون إلى أهل الحقيقة ، وإذا أمرهم بمعروف فلا ينتهون لجهلهم على أنفسهم ويحسبون أنهم مهتدون ، استولت عليهم حميّة الجاهلية ، واغترتهم شقوق الضلالة ، ودمرهم كبرهم في مهالك الشقاوة ، أعاذنا الله من صحبتهم ورؤيتهم.
(فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ) أي : حسبهم نيران الغفلات ، وظلمة الجهليات ؛ لأن من احتجب بسوء عمله من الله ومن صحبة أوليائه فهو في عذاب الأكبر ، حيث لا يرى طرق الرشاد وهو في أقبح المهاد يعني سهاد الكفر التي ترضعه فيها نفس الأمّارة ألبان الشهوة من ثدي الضلالة.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٠٨))
أي : أدخلوا في قباب اعتصام الحق بنعت الاستعاذة حتى تصيروا ساكنين تحت مجاري الأقدار ، راضين في حقيقة الاختيار ، معرضين عن الكائنات ، مصرين غيوبات الملكوت ، شاهدين بأنوار الجبروت ، منقادين لأحكامه ، متأهبين لذبح النفوس طالبا لمرضاته وشوقا إلى لقائه.
وقيل : السلم هو الرضا بالقضاء.
قال الجنيد ـ رحمهالله تعالى ـ قال ابن عطاء : اتباع الأوامر والنواهي.
وقال أبو عثمان : السلم هو الخمود تحت مجاري القدرة لك وعليك.
(فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٠٩) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٢١٠) سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢١١) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢١٢) كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢١٣) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا