** (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ) : هذا القول الكريم هو بداية الآية الكريمة الثامنة عشرة .. المعنى : فأصبح موسى خائفا ينتظر المكروه أو يترصد وقوع القصاص أو ينتظره أو يترصد منه .. وحذف مفعول «يترقب» اختصارا لأنه معلوم وهو «وقوع القصاص» أو «المكروه» أو «القصاص».
** (قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) : هذا القول الكريم هو آخر الآية الكريمة المذكورة آنفا .. المعنى : إنك لضال بين الضلالة وصف موسى هذا الإسرائيلي الذي طلب نصرة موسى بالغي لأنه كان سبب قتل الرجل «القبطي» وهو أي الإسرائيلي يقاتل الآن رجلا آخر غير القبطي القتيل. يقال : غوى الرجل ـ يغوي ـ غيا .. من باب «ضرب» بمعنى : انهمك في الجهل وهو خلاف الرشد .. وغوى أيضا : بمعنى : خاب وضل وهو غاو ـ اسم فاعل ـ وجمعه : غواة .. مثل قاض وقضاة ويتعدى بالهمزة ـ أي الفعل الرباعي ـ نحو : أغواه : أي أضله أما الفعل «غوي» من باب «تعب» فمعناه مخالف ذلك المعنى .. نحو : غوي الرجل ـ يغوى ـ غوى : أي فسد جوفه من شرب اللبن .. والغاية بمعنى : المدى وجمعها : غاي وغايات .. والغاية أيضا : بمعنى : الراية وجمعها : غايات ومنه القول غايتك أن تفعل كذا : بمعنى : نهاية طاقتك أو فعلك.
** (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة التاسعة عشرة و«الأمس» هو اليوم الذي قبل يومك .. ويأتي غير معروف بالألف واللام فيكون «أمس» اسم علم على اليوم الذي قبل يومنا ويستعمل فيما قبله مجازا وهو مبني على الكسر .. وبنو تميم تعربه إعراب ما لا ينصرف فتقول : ذهب أمس بما فيه .. وقيل : حرك آخره لالتقاء الساكنين : سكون الميم وسكون السين. قال الصحاح : أكثر العرب يبنيه على الكسر معرفة .. ومنهم من يعربه معرفة وكلهم يعربه نكرة ومضافا ومعرفا باللام .. فيقول : كل غد صائر أمسا .. ومضى أمسنا وذهب الأمس المبارك .. وقيل في أمثال العرب : من يقدر على رد أمس وتطيين عين الشمس؟ وقال الشاعر :
لقد رأيت عجبا مذ أمسا |
|
عجائزا مثل السعالى خمسا |
يأكلن ما في رحلهن همسا |
|
لا ترك الله لهن ضرسا |
ولا لقين الدهر إلا تعسا |
جاءت كلمة «أمس» مفتوحة مع أنها مسبوقة بحرف جر فدل هذا على أن هذه اللفظة تعرب بالفتحة بدلا من الكسرة عند جماعة من العرب .. وأهل الحجاز يبنونها على الكسر في الأحوال الثلاثة الرفع .. النصب .. الجر. وثمة حذف في الأبيات المذكورة .. فقوله : رأيت عجبا ـ التقدير : رأيت شيئا عجبا وهو صفة لموصوف محذوف فأقيمت الصفة مقامه .. وقوله «همسا» أصله : يأكلن أكلا همسا أي خفيا. فجرى له ما جرى لكلمة «عجبا» وجاءت «لا» مع الفعل الماضي للدعاء .. أما «عجائز» فهي جمع «عجوز» وهي المرأة الطاعنة في السن وهي ممنوعة من الصرف وصرفت ـ نونت ـ هنا .. للضرورة الشعرية. و«السعالى» جمع «سعلاة» وهي الغول .. وقيل : هي ساحرة الجن. وعلى ذكر «الجن» يروى أن عيسى بن عمر النحوي أغمي عليه في السوق فاجتمع الناس ينظرون إليه وهم يعتقدون أن طارئا من الجن قد ألم به فلما أفاق قال لهم : ما لكم تكأكأتم علي كتأكئكم علي ذي جنة افرنقعوا عني! فقالوا : إن جنيه يتكلم عن لسانه بالهندية! وكان معنى قوله : ما لكم اجتمعتم علي كاجتماعكم على ذي جنون؟ تفرقوا عني. وكلمة «افرنقعوا»