و«المجلس» لفظتان بمعنى واحد .. فالنادي هو المجلس الذي ينتدى فيه القوم : أي يجتمعون في النادي. قال الزمخشري والفيومي : لا يقال للمجلس : ناد إلا ما دام فيه أهله فإذا قاموا عنه لم يبق ناديا بمعنى إلا والقوم مجتمعون فيه فإذا تفرقوا زال عنه أي زالت هذه التسمية عنه .. قال تعالى في سورة «العلق» : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) أي فليدع أهل ناديه لينتصروا له وليمنعوه منا والمقصود بذلك هو أبو جهل حيث روي أن أبا جهل مر برسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهو يصلي : فقال ألم أنهك!؟ فأغلظ له رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال : أتهددني وأنا أكثر أهل الوادي ناديا؟ فنزل قوله تعالى : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) أي فليدع عشيرته .. وإنما هم أهل النادي والنادي مكانه ومجلسه فسماه به وفي رواية عن ابن عباس قال : لما نهى أبو جهل النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عن الصلاة انتهره رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال أبو جهل : أتنهرني؟ والله لأملأن عليك هذا الوادي إن شئت خيلا جردا ورجالا مردا ـ جمع أجرد .. ومؤنثه : جرداء. والأجرد من الخيل : هو السباق .. أما «المرد» فهو جمع «مارد» أي عات قاس وهو في قول أبي جهل جمع «أمرد» ومؤنثه : مرداء ومنه القول شبان مرد على خيول جرد. فالأمرد : هو الشاب الذي طر ـ أي طلع ـ شاربه ولم تنبت لحيته. و«النادي» هو مجلس القوم ومتحدثهم .. من ندا القوم يندون ندوا : أي اجتمعوا .. ومثله : الندي والمنتدى .. أما «الندوة» فهي اسم المرة من الفعل «ندا» ومنه سميت دار الندوة بمكة المكرمة التي بناها قصي لأنهم كانوا ويندون فيها : أي يجتمعون ثم صار مثلا لكل دار يرجع إليه ويجتمع فيها ويجمع «النادي» على «أندية» و«الندى» أصله : المطر وقيل هو ما سقط آخر الليل وأما الذي يسقط أوله فهو السدى وجمعه : أنداء ويجوز أن يجمع أيضا على أندية ومنه يقال : نديت الأرض تندى فهي ندية ويقال : فلان أندى صوتا منه : كناية عن قوته .. والنداء هو الدعاء وناديته مناداة ونداء ولهذا يأتي المنادى بإحدى أدوات النداء منصوبا نحو : يا عبد الله .. لأن التقدير والمعنى : أنادي عبد الله .. فالنداء هو الصوت وفيه معنيان نادى بعضهم بعضا .. وتجالسوا في النادي. وقولهم : تقوض المجلس : معناه : تقوض أهله : أي تفرقوا .. واختلفوا في جمع «النادي» فاللسان يجمع اللفظة على «أندية» و«أنداء» والمعجم الوسيط يجمعها على «أندية» و«نواد» وقيل : النوادي مطابق للقياس مثل جامع ـ جوامع.
** (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الحادية والثلاثين وقد أنث الفعل «جاءت» مع فاعله المذكر «الرسل» على اللفظ أي جماعة الرسل لا المعنى وإنما أنث على تقدير : جماعة الرسل بدليل قوله : قالوا وهنا ذكر الفعل على معنى «الرسل» وجاءت رسلنا من الملائكة تبشر إبراهيم بإسحاق ومن بعده يعقوب.
** (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السابعة والثلاثين .. بمعنى فأصبحوا في ديارهم باركين على ركبهم ميتين .. ودارهم : أي بلدهم وأرضهم بمعنى : في ديارهم فاكتفى بالواحد المفرد لعدم اللبس .. يقال : جثم ـ يجثم .. من باب «دخل» و«جلس».
** (وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الثامنة والثلاثين و«عاد» اسم رجل من العرب الأولى وبه سميت القبيلة قوم هود. أي وقد تبين بمعنى وقد ظهر لكم من جهة مساكنهم أي من مروركم على مساكنهم فحذف المضاف «جهة» وأقيم المضاف إليه «مساكنهم» مقامه في الأحقاف والحجر مدى الدمار الذي أصابهم.