يكون فعل الفاعل : أي ولا بد أن يكون الفاعل متصفا به مثاله قولك : جئتك إكراما لك تكون قد وصفت نفسك بالإكرام فقلت في هذا المعنى : جئتك مكرما لك .. والله تعالى وإن خلق الخوف والطمع لعباده إلا أنه سبحانه مقدس عن الاتصاف بهما فمن ثم احتيج إلى تأويل النصب على الوجهين جميعا أي على المفعول له وعلى الحال بمعنى : خائفين وطامعين. والمعنى : ومن دلائل قدرته سبحانه : أنه ـ جلت قدرته ـ يريكم البرق خوفا من الصواعق وطمعا في الغيوث ـ أي الأمطار ـ وقيل «إنه يريكم» وذلك توافقا مع الآيات السابقة أي جعل «يريكم» بمنزلة المصدر «إراءتكم» بعد إضمار «أن» قبل الفعل حتى يكون المصدر المؤول في محل رفع مبتدأ مؤخرا بتقدير : ومن آياته إراءتكم .. مثل قوله «ومن آياته منامكم» و«من آياته خلقكم من تراب» وبهذا الإضمار لأن وإنزال الفعل معها منزلة المصدر فسر المثل المعروف «تسمع بالمعيدي خير من أن تراه» على تأويل إضمار «أن» قبل «تسمع» وإنزال الفعل منزلة المصدر المؤول في محل رفع مبتدأ .. بتقدير : سماعك بالمعيدي خير من أن تراه وقصة هذا المثل ـ كما ذكرتها المصادر ـ أنها أي القصة أو أن المثل المذكور يضرب لمن يكون خبره خيرا من منظره. و«المعيدي» مأخوذ من «معيد» وهو اسم قبيلة نسبت إليه ياء النسب .. وكان المعيدي يغير على مال نعمان .. وكان النعمان يطلبه فلا يقدر عليه وكان يعجبه ما يسمع عنه من الشجاعة والإقدام إلى أن أمنه. فلما رآه استزرى منظره لأنه كان دميم الخلقة. فقال : تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. فأجابه : أبيت اللعن .. إن الرجال ليست بجزر ـ بضم الجيم والزاي ـ جمع «جزور» وهو ما يجزر من النوق ـ مع ناقة ـ والغنم ـ وإنما المرء بأصغريه : قلبه ولسانه فأعجب النعمان كلامه وجعله من خواصه إلى أن مات.
** (هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ) : ورد هذا القول في الآية الكريمة الثامنة والعشرين .. بمعنى : هل لكم من أرقائكم ـ مماليككم ـ شركاء في أموالكم.
** سبب نزول الآية : قال ابن عباس : كان المشركون ـ أهل الشرك ـ يلبون : لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك. فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة. و«لبيك» كما قال الصحاح : قال الفراء : المعنى : أنا مقيم على طاعتك. ونصبه على المصدر كقولك حمدا لله وشكرا. وكان حقه أن يقال : لبا لك. وهو مأخوذ من «ألب» بالمكان إلبابا : أي أقام فيه أو به ولزمه ولب أيضا لغة فيه. وثني «لبيك» على معنى التأكيد .. أي إلبابا بك بعد إلباب وإقامة بعد إقامة. قال الخليل : هو من قولهم : دار فلان تلب داري بوزن ترد : أي تحاذيها .. أي أنا مواجهك بما تحب إجابة لك والياء للتثنية وفيها دليل على النصب للمصدر. و«اللب ـ بضم اللام : هو العقل وجمعه : ألباب .. واللبيب : هو العاقل وجمعه ألباء ـ على وزن أفعلاء ـ وهذه الصيغة هي جمع كل مفرد فيه حرفان مكرران ومثله : طبيب ـ أطباء .. أما إذا كان المفرد بصيغة «فعيل» ذا حرف غير مكرر فيجمع على وزن «فعلاء» نحو : حكيم ـ حكماء. وقيل : لبى بالحج تلبية .. ولباه. أي قال له : لبيك. قال يونس النحوي : لبيك : ليس بمثنى إنما هو مثل «عليك» و«إليك» وقال الخليل : هو مثنى. وحكى أبو عبيد عن الخليل أن أصل التلبية : الإقامة بالمكان نحو : ألب بالمكان ولب به : إذا أقام به. قال : ثم قلبوا الباء الثانية إلى الياء استثقالا كما قالوا : تظن وأصله : تظنن.