** (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ) : أي فابدءوا السلام على أهلها الذين هم منكم. والتسليم على النفس بأن تقولوا : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فترد الملائكة عليكم. و«السلم» بكسر السين : هو السلام أيضا وهو كذلك «الصلح» يذكر ويؤنث. و«السلامة» و«السلام» بمعنى واحد وهو البراءة من العيوب. وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ أنه صلىاللهعليهوسلم قال : متى لقيت من أمتي أحدا فسلم عليه يطل عمرك وإذا دخلت بيتك فسلم عليهم يكثر خير بيتك. وقالوا : إن لم يكن في البيت أحد فليقل : السلام علينا من ربنا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين تحية من عند الله. وقد جمع الشاعر بين التحية والسلام بقوله :
أتاركة تدللها قطام |
|
رضينا بالتحية والسلام |
و«قطام» اسم امرأة وهو اسم على وزن «فعال» بفتح الفاء وهو معدول عن «قاطمة» ومبني على الكسر عند الحجازيين. والنجديون يجرونه مجرى ما لا ينصرف. والتدلل : هو الدلال وجاز الابتداء بالنكرة «تاركة» لأنه وصف معتمد على الاستفهام.
** سبب نزول الآية : أنزلت الآية الكريمة الحادية والستون ـ كما قال سعيد ابن المسيب : في أناس كانوا إذا خرجوا مع النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وضعوا مفاتيح بيوتهم عند الأعمى والأعرج والمريض وعند أقاربهم وكانوا يأمرونهم أن يأكلوا مما في بيوتهم إذا احتاجوا إلى ذلك .. وكانوا يتقون أن يأكلوا منها ويقولون : نخشى ألا تكون أنفسهم بذلك طيبة .. فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة. ورجح الطبري ذلك. وقيل : لا حرج على هؤلاء في التخلف عن الجهاد. وهو قول حسن البصري وفي رواية .. كان أصحاب العاهات يتحرجون من مؤاكلة الأصحاء حذرا من استقذارهم .. وكان الجميع يتأثمون من الأكل من بيوت أقربائهم وأصدقائهم مخافة أن يظن بهم ثقل .. وكان بنو ليث بن عمرو يكرهون أن يأكل الرجل وحده .. فنزلت الآية الكريمة «ليس على الأعمى حرج ..» تبيح ذلك كله. فقال تعالى ليس على ذوى العاهات من حرج أن يأكلوا مع الأصحاء وليس عليكم من حرج من أن تأكلوا في بيوت أقربائكم أو أصدقائكم. وما عليكم إثم أن تأكلوا فرادى أو مجتمعين.
** (فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الثانية والستين. الشأن : هو الأمر والحال وجمعه : شئون. قال الجوهري : الشئون : هي مواصل قبائل الرأس وملتقاها ومنها تجيء الدموع. ويقال : ما شأنك يا رجل؟ أي ما حالك أو ما أمرك؟ و«الشأن» في الأصل : مصدر الفعل «شأن ـ يشأن ـ شأنا : بمعنى : صار له شأن. وتأتي اسما بمعنى : الأمر والحال أو هي ما عظم من الأمور والأحوال. ويقال : هذا الأمر أو فلان من شأنه كذا أو من شأنه أن يفعل كذا : بمعنى : من طبعه وطلبه وخلته فعل كذا. ويقولون فلان شأن شأنك : أي قصد قصدك. وما شأن شأنك : أي لم يكترث ـ لم يهتم ـ لأمرك. أما الفعل «شان» بتخفيف الهمزة ـ فمعناه : ضد زين أوزان .. نحو : شان ـ يشين ـ شينا : بمعنى : عاب .. والشين : خلاف «الزين» واسم الفاعل هو شائن. واسم المفعول هو مشين .. ـ بفتح الميم ـ وليس بضم الشين .. ولهذا نقول : هذا عمل شائن أو مشين ـ بفتح الميم ـ ولا يقال : مشين ـ بضم الميم ـ لأن هذه اللفظة اسم فاعل لأفعل «أشان» وهو فعل رباعي غير وارد في اللغة.
** سبب نزول الآية : نزلت الآية الكريمة الثانية والستون في أثناء حفر الخندق عام الأحزاب فكان المنافقون يتسللون إلى أهليهم بغير إذن من الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وكان المسلم يستأذن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إذا طرأت له حاجة فإذا قضى حاجته رجع .. فنزلت هذه الآية الكريمة.